( مسألة ) : فإن قيل قد أخبرنا الله - عز وجل - في كتابه ، وعلى لسان رسوله ، وبما علمنا من صفاته أنه يحب المحسنين ، ويحب المتقين ، ويحب الصابرين ، ويرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، ولا يحب الكافرين ، ولا يحب الظالمين ، ولا يرضى لعباده الكفر ،  ولا يحب الفساد مع كون ذلك بمشيئته وإرادته   ، وأنه لو شاء لم يكن ذلك ، فإنه لا يكون في ملكه ما لا يريد ، فما الجواب ؟ قلنا : إن الإرادة والقضاء والأمر كل منها ينقسم إلى كوني وشرعي ، ولفظ المشيئة لم يرد إلا في الكوني ، كقوله تعالى : (  وما تشاءون إلا أن يشاء الله      ) ومثال الإرادة الكونية قوله تعالى : (  وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له      ) ، وقوله تعالى : (  إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون      ) ، ومثال القضاء الكوني قوله تعالى : (  وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون      ) ، ومثال الأمر الكوني قوله تعالى : (  وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا      ) ، فهذا القسم من الإرادة والقضاء والأمر هو مشيئته الشاملة ، وقدرته النافذة ، وليس لأحد خروج منها ، ولا محيد عنها ، ولا ملازمة بينها وبين المحبة والرضا ، بل يدخل فيها الكفر والإيمان ، والسيئات والطاعات ، والمحبوب المرضي له والمكروه المبغض ، كل ذلك بمشيئته وقدره ، وخلقه وتكوينه ، ولا سبيل إلى مخالفتها ، ولا يخرج عنها مثقال ذرة .  
ومثال الإرادة الشرعية قوله تعالى : (  يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر      ) ، وقوله تعالى : (  يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم      ) ، وقوله تعالى : (  والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما      ) ، ومثال القضاء الشرعي قوله تعالى : (  وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا      ) ، ومثال الأمر الشرعي قوله تعالى : (  إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون      ) ، وهذه الإرادة والقضاء والأمر الكوني القدري هو      [ ص: 231 ] المستلزم لمحبة الله - تعالى - ورضاه ، فلا يأمر إلا بما يحبه ويرضاه ، ولا ينهى إلا عما يكرهه ويأباه ، ولا ملازمة بين هذا القسم وما قبله إلا في حق المؤمن المطيع ، وأما الكافر فينفرد في حقه الإرادة والقضاء والأمر الكوني القدري ، فالله - سبحانه ، وتعالى - يدعو عباده إلى طاعته ومرضاته وجنته ، ويهدي لذلك من يشاء في الكون والقدر هدايته ، ولهذا قال تعالى : (  والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم      ) ، فعمم الدعوة إلى جنته وهي دار السلام ، وأنه يدعو إلى ذلك جميع عباده ، وهو أعلم بمن يستجيب ممن لا يستجيب ، وخص الهداية بمن يشاء هدايته ، كما قال تعالى : (  يهدي الله لنوره من يشاء      ) .  
				
						
						
