( فصل وأما المسألة الثانية )  
وهي قولكم : هب أنهم اختاروا الكفر لذلك ، فهلا اتبع الحق من لا رئاسة له ولا مأكلة ، إما اختيارا وإما قهرا ؟  
فجوابه من وجوه :  
أحدها : أنا قد بينا أن أكثر من ذكرتم قد آمن بالرسول وصدقه اختيارا   [ ص: 257 ] لا اضطرارا ، وأكثرهم أولو العقول والأحلام والعلوم ممن لا يحصيهم إلا الله .  
فرقعة الإسلام إنما انتشرت في الشرق والغرب بإسلام أكثر الطوائف   ، فدخلوا دين الله أفواجا ، حتى صار الكفر معهم تحت الذلة والصغار . وقد بينا أن الذين أسلموا من  اليهود   والنصارى   والمجوس   والصابئين   أكثر من الذين لم يسلموا ، وأنه إنما بقي منهم أقل القليل ، وقد دخل في الإسلام من ملوك الطوائف ورؤسائهم في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم خلق كثير .  
وهذا ملك  النصارى   على إقليم  الحبشة   في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لما تبين له أنه رسول الله آمن به ، ودخل في دينه ، وآوى أصحابه ، ومنعهم من أعدائهم ، وقصته أشهر من أن تذكر ، ولما مات أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بالساعة التي مات فيها ، وبينهما مسيرة شهر ، ثم خرج بهم إلى المصلى وصلى عليه .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					