فصل .  
قال :  واعتصام الخاصة بالانقطاع ، وهو صون الإرادة قبضا ،   وإسبال الخلق      [ ص: 462 ] على الخلق بسطا ، ورفض العلائق عزما ، وهو التمسك بالعروة الوثقى .  
يريد انقطاع النفس عن أغراضها من هذه الوجوه الثلاثة ، فيصون إرادته ، ويقبضها عما سوى الله سبحانه ،  وهذا شبيه بحال  أبي يزيد  فيما أخبر به عن نفسه لما قيل له : ما تريد ؟ فقال : أريد أن لا أريد     .  
الثاني : إسبال الخلق على الخلق بسطا ، وهذا حقيقة التصوف ، فإنه كما  قال  أبو   [ ص: 463 ] بكر الكتاني     : التصوف خلق ، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في التصوف     .  
فإن  حسن الخلق وتزكية النفس بمكارم الأخلاق يدل على سعة قلب صاحبه ،   وكرم نفسه وسجيته . وفي هذا الوصف يكف الأذى ، ويحمل الأذى ويوجد الراحة ، ويدير خده الأيسر لمن لطم الأيمن ، ويعطي رداءه لمن سلبه قميصه ، ويمشي ميلين مع من سخره ميلا ، وهذا علامة انقطاعه عن حظوظ نفسه وأغراضها .  
وأما رفض العلائق عزما فهو العزم التام على رفض العلائق ، وتركها في ظاهره وباطنه .  
والأصل هو قطع علائق الباطن ، فمتى قطعها لم تضره علائق الظاهر ، فمتى كان المال في يدك وليس في قلبك لم يضرك ولو كثر ، ومتى كان في قلبك ضرك ولو لم يكن في يدك منه شيء .  
قيل   للإمام أحمد     : أيكون الرجل زاهدا ، ومعه ألف دينار ؟ قال : نعم على شريطة ألا يفرح إذا زادت ولا يحزن إذا نقصت ،  ولهذا كان الصحابة أزهد الأمة مع ما بأيديهم من الأموال .  
وقيل   لسفيان الثوري     : أيكون ذو المال زاهدا ؟ قال : نعم إن كان إذا زيد في ماله شكر ، وإن نقص شكر وصبر     .  
 [ ص: 464 ] وإنما يحمد قطع العلائق الظاهرة في موضعين : حيث يخاف منها ضررا في دينه أو حيث لا يكون فيها مصلحة راجحة ، والكمال من ذلك قطع العلائق التي تصير كلاليب على الصراط تمنعه من العبور ، وهي كلاليب الشهوات والشبهات ، ولا يضره ما تعلق به بعدها .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					