[ ص: 342 ] قال وهو على ثلاث درجات .  الدرجة الأولى      : إباء الحال على العلم ، لشيم برق الكشف ، واستدامة نور الأنس ، والإجابة لإماتة الهوى .  
يريد ب " إباء الحال على العلم " : استعصاؤه عليه ، وأن صاحب الحال : تأبى عليه حاله أن ينزل منه إلى درجة العلم ، ويصعب عليه ذلك كل الصعوبة . وهو انحطاط في رتبته .  
ولا يريد امتناع الحال عن طاعة العلم وتحكيمه . فإن هذا انحلال ، وانسلاخ من الطريق بالكلية . فكل حال لا يطيع العلم ولا يحكمه فهو حال فاسد ، مبعد عن الله . لكن من وصل إلى حال العلم يحجبه حاله أن ينزل إلى درجة العلم . وينحط إليها بلا حال .  
فإن كان مراده هذا المعنى : فهو صحيح وإن كان مراده : امتناع الحال عن طاعة العلم ، لأن العلم يدعو إلى أحكام الغيبة والحجاب . والحال يدعو إلى أنس الكشف والحضور . فصاحب الحال لا يلتفت إلى العلم - فباطل . فإن العلم شرط في الحال تستحيل معرفة صحته بدونه .  
نعم لا ينكر حصوله بدون العلم . لكن صاحبه على غير بصيرة ولا وثوق به .  
وشيم برق الكشف ، هو النظر إليه على بعد . فإن صاحب الحال : عامل على شيم برق الكشف . لأن شيم برق الكشف : يوجب نورا يأنس به القلب . فعزيمة صاحبه : على استدامته وحفظه .  
وأما الإجابة لإماتة الهوى .  
فهو أن السالك إذا أشرف على الكشف : أحس بحالة شبيهة بالموت ، حتى إن منهم من يسقط إلى الأرض . ويظن ذلك موتا . وهذه الحال من مبادئ الفناء فتهوى نفسه العود إلى الحجاب ، خوفا من الانعدام ، لما جبلت عليه النفس البشرية من كراهة الموت . فإذا حصل العزم أميت هذا الهوى ، ولم يلتفت إليه ، رغبة فيما يطلبه من الفناء في الفردانية . فإن الحقيقة لا تبدأ إلا بعد فناء البشرية .  
هذا الذي قاله حق . لا ينكره إلا من لم يذقه . وإنما الكلام في مرتبته ، وأنه غاية أو توسط أو لازم ، أو عارض ؟ .  
 [ ص: 343 ] فشيخنا - رحمه الله - كان يرى أنه عارض من عوارض الطريق لا يعرض للكل . ومن السالكين من لم يعرض له ألبتة .  
ومن الناس من يراه لازما للطريق لا بد منه .  
ومن الناس من يراه غاية لا شيء فوقه .  
ومنهم من يراه توسطا . وفوقه ما هو أجل منه وأرفع . وهو حالة البقاء . والله أعلم .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					