فصل  
قال : الدرجة الثانية : أن يضع عن العبد عوارض النقص ويعافيه من سمة اللائمة . ويملكه عواقب الهفوات . كما فعل  بسليمان   عليه السلام حين قتل الخيل فحمله على الريح الرخاء . فأغناه عن الخيل . وفعل  بموسى   عليه السلام حين ألقى الألواح وأخذ برأس أخيه . ولم يعتب عليه كما عتب على  آدم   عليه السلام ،  ونوح   ،  وداود   ،  ويونس   عليهم السلام .  
والفرق بين هذه الدرجة والتي قبلها : أن في التي قبلها منعا من مواقعة أسباب الجفاء اضطرارا . وفي هذه : إذا عرضت له أسباب النقيصة ، التي يستحق عليها اللائمة ،      [ ص: 426 ] لم يعتبه عليها ولم يلمه . وهذا نوع من الدلال . وصاحبه من ضنائن الله وأحبابه . فإن الحبيب يسامح بما لا يسامح به سواه . لأن المحبة أكبر شفعائه . وإذا هفا هفوة ملكه عاقبتها ، بأن جعلها سببا لرفعته ، وعلو درجته . فيجعل تلك الهفوة سببا لتوبة نصوح . وذل خاص ، وانكسار بين يديه ، وأعمال صالحة تزيد في قربه منه أضعاف ما كان عليه قبل الهفوة . فتكون تلك الهفوة أنفع له من حسنات كثيرة . وهذا من علامات اعتناء الله بالعبد ، وكونه من أحبابه وحزبه .  
وقد استشهد الشيخ بقصة  سليمان   عليه السلام حين ألهته الخيل عن صلاة العصر . فأخذته الغضبة لله والحمية . فحملته على أن مسح عراقيبها وأعناقها بالسيف . وأتلف مالا شغله عن الله في الله . فعوضه الله منه : أن حمله على متن الريح . فملكه الله تعالى عاقبة هذه الهفوة . وجعلها سببا لنيل تلك المنزلة الرفيعة .  
واستشهد بقصة  موسى   صلى الله عليه وسلم ، حين ألقى الألواح - وفيها كلام الله - عن رأسه ، وكسرها ، وجر بلحية أخيه . وهو نبي مثله ، ولم يعاتبه الله على ذلك ، كما عتب على  آدم   عليه السلام في أكل لقمة من الشجرة ، وعلى  نوح   في ابنه حين سأل ربه أن ينجيه . وعلى  داود   في شأن  امرأة أوربا     . وعلى  يونس   في شأن المغاضبة .  
 [ ص: 427 ] وسمعت شيخ الإسلام  ابن تيمية     - رحمه الله - يقول : وكذلك لطم  موسى   عين  ملك الموت   ففقأها . ولم يعتب عليه ربه . وفي ليلة الإسراء عاتب ربه في النبي صلى الله عليه وسلم . إذ رفعه فوقه ، ورفع صوته بذلك . ولم يعتبه الله على ذلك . قال : لأن  موسى      - عليه السلام - قام تلك المقامات العظيمة التي أوجبت له هذا الدلال . فإنه قاوم  فرعون  أكبر أعداء الله تعالى . وتصدى له ولقومه . وعالج  بني إسرائيل   أشد المعالجة . وجاهد في الله أعداء الله أشد الجهاد . وكان شديد الغضب لربه ، فاحتمل له ما لم يحتمله لغيره .  
و  ذو النون   لما لم يكن في هذا المقام : سجنه في بطن الحوت من غضبه ، وقد جعل الله لكل شيء قدرا .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					