فصل  
قال : الدرجة الثانية :  الإحسان في الأحوال      . وهو أن تراعيها غيرة . وتسترها      [ ص: 431 ] تظرفا ، وتصححها تحقيقا .  
يريد بمراعاتها : حفظها وصونها ، غيرة عليها أن تحول . فإنها تمر مر السحاب . فإن لم يرع حقوقها حالت . ومراعاتها : بدوام الوفاء ، وتجنب الجفاء .  
ويراعيها أيضا بإكرام نزلها . فإنها ضيف . والضيف إن لم تكرم نزله ارتحل .  
ويراعيها أيضا بضبطها ملكة . وشد يده عليها ، وأن لا يسمح بها لقاطع طريق ولا ناهب .  
ويراعيها أيضا : بالانقياد إلى حكمها ، والإذعان لسلطانها إذا وافق الأمر .  
ويراعيها أيضا : بسترها تظرفا ، وهو أن يسترها عن الناس ما أمكنه . لئلا يعلموا بها . ولا يظهرها إلا لحجة . أو حاجة ، أو مصلحة راجحة . فإن في إظهارها بدون ذلك آفات عديدة . مع تعريضها للصوص والسراق والمغيرين .  
وإظهار الحال للناس عند الصادقين : حمق وعجز . وهو من حظوظ النفس والشيطان . وأهل الصدق والعزم لها أستر ، وأكتم من أرباب الكنوز من الأموال لأموالهم ، حتى إن منهم من يظهر أضدادها نفيا وجحدا . وهم أصحاب الملامتية ، ولهم طريقة معروفة . وكان شيخ هذه الطائفة  عبد الله بن منازل     .  
واتفقت الطائفة على أن من أطلع الناس على حاله مع الله : فقد دنس طريقته . إلا لحجة أو حاجة أو ضرورة .  
وقوله : وتصحيحها تحقيقا  
أي يجتهد في تحقيق أحواله ، وتصحيحها وتخليصها . فإن الحال قد يمتزج بحق وباطل . ولا يميزه إلا أولو البصائر والعلم .  
وأهل هذه الطريق يقولون : إن الوارد الذي يبتدئ العبد من جانبه الأيمن والهواتف والخطاب : يكون في الغالب حقا . والذي يبتدئ من الجانب الأيسر : يكون في الغالب باطلا وكذبا . فإن أهل اليمين : هم أهل الحق . وبأيمانهم يأخذون كتبهم . ونورهم الظاهر على الصراط بأيمانهم . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله وترجله ، وطهوره وشأنه كله . والله وملائكته يصلون على ميامن      [ ص: 432 ] الصفوف . وأخبر أن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله . وحظه من ابن  آدم   جهة الشمال . ولهذا تكون اليد الشمال للاستجمار ، وإزالة النجاسة والأذى . ويبدأ بالرجل الشمال عند دخول الخلاء .  
ومن الفرقان أيضا : أن كل وارد يبقى الإنسان بعد انفصاله نشيطا مسرورا نشوانا : فإنه وارد ملكي ، وكل وارد يبقي الإنسان بعد انفصاله خبيث النفس كسلان ، ثقيل الأعضاء والروح ، يجنح إلى فتور - فهو وارد شيطاني .  
ومن الفرقان أيضا : أن كل وارد أعقب صاحبه تقدما إلى الله تعالى والدار الآخرة ، وحضورا فيها ، حتى كأنه يشاهد الجنة قد أزلفت ، والجحيم قد سعرت - فهو إلهي ملكي ، وخلافه شيطاني نفساني .  
ومن الفرقان أيضا : أن كل وارد كان سببه النصيحة في امتثال الأمر ، والإخلاص والصدق فيه - فهو إلهي ملكي . وإلا فهو شيطاني .  
ومن الفرقان أيضا : أن كل وارد استنار به القلب ، وانشرح له الصدر ، وقوي به      [ ص: 433 ] القلب - إلهي ملكي . وإلا فهو شيطاني .  
ومن الفرقان أيضا : أن كل وارد جمعك على الله فهو منه . وكل وارد فرقك عنه ، وأخذك عنه : فمن الشيطان .  
ومن الفرقان أيضا : أن الوارد الإلهي لا يصرف إلا في قربة وطاعة ، ولا يكون سببه إلا قربة وطاعة ، فمستخرجه الأمر . ومصرفه الأمر ، والشيطاني بخلافه .  
ومن الفرقان أيضا : أن الوارد الرحماني لا يتناقض ، ولا يتفاوت ولا يختلف . بل يصدق بعضه بعضا ، والشيطاني بخلافه يكذب بعضه بعضا . والله سبحانه أعلم .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					