فصل منزلة العلم  
ومن منازل  إياك نعبد وإياك نستعين   منزلة العلم      .  
وهذه المنزلة إن لم تصحب السالك من أول قدم يضعه في الطريق إلى آخر قدم ينتهي إليه : فسلوكه على غير طريق . وهو مقطوع عليه طريق الوصول ، مسدود عليه سبل الهدى والفلاح ، مغلقة عنه أبوابها . وهذا إجماع من الشيوخ العارفين . ولم ينه عن  العلم   إلا قطاع الطريق منهم ، ونواب إبليس وشرطه .  
قال سيد الطائفة وشيخهم   الجنيد بن محمد  رحمه الله : الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا على من اقتفى آثار الرسول صلى الله عليه وسلم .  
وقال : من لم يحفظ القرآن ويكتب الحديث ، لا يقتدى به في هذا الأمر ، لأن علمنا مقيد بالكتاب والسنة .  
وقال : مذهبنا هذا مقيد بأصول الكتاب والسنة .  
وقال  أبو حفص  رحمه الله : من لم يزن أفعاله وأحواله في كل وقت بالكتاب والسنة . ولم يتهم خواطره . فلا يعد في ديوان الرجال .  
وقال   أبو سليمان الداراني  رحمه الله : ربما يقع في قلبي النكتة من نكت القوم أياما . فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين : الكتاب ، والسنة .  
وقال   سهل بن عبد الله  رحمه الله : كل فعل يفعله العبد بغير اقتداء - طاعة كان أو معصية - فهو عيش النفس ، وكل فعل يفعله العبد بالاقتداء : فهو عذاب على النفس .  
وقال  السري     : التصوف اسم لثلاثة معان : لا يطفئ نور معرفته نور ورعه ، ولا يتكلم بباطن في علم ينقضه عليه ظاهر الكتاب ، ولا تحمله الكرامات على هتك أستار محارم الله     .  
 [ ص: 435 ] وقال  أبو يزيد     : عملت في المجاهدة ثلاثين سنة ، فما وجدت شيئا أشد علي من العلم ومتابعته ، ولولا اختلاف العلماء لبقيت ، واختلاف العلماء رحمة ، إلا في تجريد التوحيد .  
وقال مرة لخادمه : قم بنا إلى هذا الرجل الذي قد شهر نفسه بالصلاح لنزوره ، فلما دخلا عليه المسجد تنخع . ثم رمى بها نحو القبلة ، فرجع ولم يسلم عليه . وقال : هذا غير مأمون على أدب من آداب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكيف يكون مأمونا على ما يدعيه ؟  
وقال : لقد هممت أن أسأل الله تعالى أن يكفيني مؤنة النساء . ثم قلت : كيف يجوز لي أن أسأل الله هذا ؟ ولم يسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ولم أسأله . ثم إن الله كفاني مؤنة النساء ، حتى لا أبالي استقبلتني امرأة أو حائط .  
وقال : لو نظرتم إلى رجل أعطي من الكرامات إلى أن يرتفع في الهواء ، فلا تغتروا به ، حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي ، وحفظ الحدود ، وأداء الشريعة ؟  
وقال   أحمد بن أبي الحواري  رحمه الله : من عمل عملا بلا اتباع سنة ، فباطل عمله     .  
وقال  أبو عثمان النيسابوري  رحمه الله : الصحبة مع الله : بحسن الأدب ، ودوام الهيبة والمراقبة ، والصحبة مع الرسول صلى الله عليه وسلم : باتباع سنته ، ولزوم ظاهر العلم . ومع أولياء الله : بالاحترام والخدمة . ومع الأهل : بحسن الخلق . ومع الإخوان : بدوام البشر . ما لم يكن إثما . ومع الجهال : بالدعاء لهم والرحمة .  
زاد غيره : ومع الحافظين : بإكرامهما واحترامهما ، وإملائهما ما يحمدانك عليه . ومع النفس : بالمخالفة . ومع الشيطان : بالعداوة     .  
وقال  أبو عثمان  أيضا : من أمر السنة على نفسه قولا وفعلا : نطق بالحكمة ، ومن أمر الهوى على نفسه قولا وفعلا : نطق بالبدعة . قال الله تعالى :  وإن تطيعوه تهتدوا      .  
وقال  أبو الحسين النوري     : من رأيتموه يدعي مع الله عز وجل حالة تخرجه عن      [ ص: 436 ] حد العلم الشرعي فلا تقربوا منه     .  
وقال   محمد بن الفضل البلخي  من مشايخ القوم الكبار : ذهاب الإسلام من أربعة : لا يعملون بما يعلمون ، ويعملون بما لا يعلمون ، ولا يتعلمون ما يعملون ، ويمنعون الناس من التعلم والتعليم     .  
وقال  عمرو بن عثمان المكي     : العلم قائد . والخوف سائق . والنفس حرون بين ذلك ، جموح خداعة رواغة . فاحذرها وراعها بسياسة العلم . وسقها بتهديد الخوف : يتم لك ما تريد     .  
وقال   أبو سعيد الخراز     : كل باطن يخالفه الظاهر فهو باطل     .  
وقال  ابن عطاء     : من ألزم نفسه آداب السنة نور الله قلبه بنور المعرفة . لا مقام أشرف من مقام متابعة الحبيب في أوامره وأفعاله وأخلاقه .  
وقال : كل ما سألت عنه فاطلبه في مفازة العلم . فإن لم تجده ففي ميدان الحكمة . فإن لم تجده فزنه بالتوحيد . فإن لم تجده في هذه المواضع الثلاثة فاضرب به وجه الشيطان     .  
وألقي   بنان الحمال  بين يدي السبع . فجعل السبع يشمه لا يضره فلما أخرج قيل له : ما الذي كان في قلبك حين شمك السبع ؟ قال : كنت أتفكر في اختلاف العلماء في سؤر السباع     .  
 [ ص: 437 ] وقال   أبو حمزة البغدادي     - من أكابر الشيوخ .  وكان   أحمد بن حنبل  يقول له في المسائل : ما تقول يا صوفي - من علم طريق الحق سهل عليه سلوكه . ولا دليل على الطريق إلى الله إلا متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم في أحواله وأقواله وأفعاله     .  
ومر الشيخ  أبو بكر محمد بن موسى الواسطي  يوم الجمعة إلى الجامع . فانقطع شسع نعله . فأصلحه له رجل صيدلاني . فقال : تدري لم انقطع شسع نعلي ؟ فقلت : لا . فقال : لأني ما اغتسلت للجمعة . فقال : هاهنا حمام تدخله ؟ فقال : نعم . فدخل واغتسل     .  
وقال  أبو إسحاق الرقي  ، من أقران  الجنيد     : علامة محبة الله : إيثار طاعته ، ومتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم     .  
وقال   أبو يعقوب النهرجوري     : أفضل الأحوال : ما قارن العلم     .  
وقال  أبو القاسم النصراباذي  شيخ  خراسان   في وقته : أصل التصوف ملازمة الكتاب والسنة . وترك الأهواء والبدع . وتعظيم كرامات المشايخ ، ورؤية أعذار الخلق ، والمداومة على الأوراد ، وترك ارتكاب الرخص والتأويلات     .  
وقال  أبو بكر الطمستاني     - من كبار شيوخ الطائفة - : الطريق واضح والكتاب      [ ص: 438 ] والسنة قائم بين أظهرنا . وفضل الصحابة معلوم ، لسبقهم إلى الهجرة ولصحبتهم ، فمن صحب الكتاب والسنة ، وتغرب عن نفسه وعن الخلق ، وهاجر بقلبه إلى الله : فهو الصادق المصيب     .  
وقال   أبو عمرو بن نجيد     : كل حال لا يكون عن نتيجة علم فإن ضرره على صاحبه أكثر من نفعه .  
وقال : التصوف : الصبر تحت الأوامر والنواهي     .  
وكان بعض أكابر الشيوخ المتقدمين يقول : يا معشر  الصوفية ،   لا تفارقوا السواد في البياض تهلكوا .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					