( فصل ) : 
وأما ما يجري مجرى الطيب من إزالة الشعث وقضاء التفث : فحلق الشعر ، وقلم الظفر . 
أما الحلق فنقول   : " لا يجوز للمحرم أن يحلق رأسه قبل يوم النحر  لقوله تعالى { ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله    } وقول النبي صلى الله عليه وسلم { المحرم الأشعث الأغبر   } { وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحاج ؟ فقال : الشعث التفث   } وحلق الرأس يزيل الشعث والتفث ; ولأنه من باب الارتفاق بمرافق المقيمين ، والمحرم ممنوع عن ذلك ; ولأنه نوع نبات استفاد الأمن بسبب الإحرام فيحرم التعرض له ، كالنبات الذي استفاد الأمن بسبب الحرم  وهو الشجر والخلى . 
وكذا لا يطلي رأسه بنورة    ; لأنه في معنى الحلق ; وكذا لا يزيل شعرة من شعر رأسه ولا يطليها بالنورة لما قلنا . 
فإن حلق رأسه ، فإن حلقه من غير عذر فعليه دم لا يجزيه غيره ; لأنه ارتفاق كامل من غير ضرورة ، وإن حلقه لعذر فعليه أحد الأشياء الثلاثة لقوله عز وجل : { فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ،    } ولما روينا من حديث  كعب بن عجرة    ; ولأن الضرورة لها أثر في التخفيف فخير بين الأشياء الثلاثة تخفيفا وتيسيرا ، وإن حلق ثلثه أو ربعه فعليه دم ، وإن حلق دون الربع ، فعليه صدقة كذا ذكر في ظاهر الرواية ولم يذكر الاختلاف ، وحكى  الطحاوي  في مختصره الاختلاف فقال : " إذا حلق ربع رأسه يجب عليه الدم " في قول  أبي حنيفة    . 
وفي قول  أبي يوسف   ومحمد    : لا يجب ما لم يحلق أكثر رأسه . 
وذكر  القدوري  في شرحه مختصر  الحاكم    : إذا حلق ربع رأسه يجب عليه دم في قول  أبي حنيفة    . 
وعند  أبي يوسف    : إذا حلق أكثره يجب . 
وعند  محمد    : إذا حلق شعره يجب . 
وقال  الشافعي    : " إذا حلق ثلاث شعرات يجب " وقال  مالك    : " لا يجب إلا بحلق الكل " وعلى هذا إذا حلق لحيته أو ثلثها أو ربعها ، احتج  مالك  بقوله تعالى { ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله    } والرأس اسم لكل هذا المحدود . 
وجه قول  الشافعي    : أن الثلاث جمع صحيح فيقوم مقام الكل ، ولهذا قام مقام الكل في مسح الرأس ; ولأن الشعر نبات استفاد الأمن بسبب الإحرام فيستوي فيه قليله وكثيره ، كالنبات الذي استفاد الأمن بسبب الحرم  من الشجر والخلى . 
وأما الكلام بين أصحابنا فمبني على أن حلق الكثير يوجب الدم ، والقليل يوجب الصدقة ، واختلفوا في الحد الفاصل بين القليل والكثير ، فجعل  أبو حنيفة  ما دون الربع قليلا ، والربع وما فوقه كثيرا ، وهما على ما ذكر  الطحاوي  جعلا ما دون النصف قليلا ، وما زاد على النصف كثيرا ، والوجه لهما : أن القليل والكثير من أسماء المقابلة ، وإنما يعرف ذلك بمقابله ، فإن كان مقابله قليلا فهو كثير ، وإن كان كثيرا فهو قليل ، فيلزم منه أن يكون الربع قليلا ; لأن ما يقابله كثير فكان هو قليلا ، والوجه  لأبي حنيفة    : أن الربع في حلق الرأس بمنزلة الكل ألا ترى أن من عادة كثير من الأجيال من العرب ، والترك ، والكرد الاقتصار على حلق ربع الرأس ، ولذا يقول القائل : رأيت فلانا يكون صادقا في مقالته ، وإن لم ير إلا أحد جوانبه الأربع ، ولهذا أقيم مقام الكل في المسح ، وفي الخروج من الإحرام بأن حلق ربع رأسه للتحلل  [ ص: 193 ] والخروج من الإحرام ، أنه يتحلل ويخرج من الإحرام ، فكان حلق ربع الرأس ارتفاقا كاملا فكانت جناية كاملة ، فيوجب كفارة كاملة . 
وكذا حلق ربع اللحية لأهل بعض البلاد معتاد كالعراق  ونحوها ، فكان حلق الربع منها كحلق الكل ، ولا حجة  لمالك  في الآية ; لأن فيها نهيا عن حلق الكل ، وذا لا ينفي النهي عن حلق البعض ، فكان تمسكا بالمسكوت ، فلا يصح . 
وما قاله  الشافعي  غير سديد ; لأن آخذ ثلاث شعرات لا يسمى حالقا في العرف ، فلا يتناوله نص الحلق ، كما لا يسمى ماسح ثلاث شعرات ماسحا في العرف ، حتى لم يتناوله نص المسح ، على أن وجوب الدم متعلق بارتفاق كامل ، وحلق ثلاث شعرات ليس بارتفاق كامل ، فلا يوجب كفارة كاملة ، وقوله : إنه نبات استفاد الأمن بسبب الإحرام مسلم ، لكن هذا يقتضي حرمة التعرض لقليله وكثيره ونحن به نقول ، ولا كلام فيه ، وإنما الكلام في وجوب الدم ، وذا يقف على ارتفاق كامل ولم يوجد ، وقد خرج الجواب عن قولهما : إن القليل والكثير يعرف بالمقابلة لما ذكرنا أن الربع كثير من غير مقابلة في بعض المواضع فيعمل عليه في موضع الاحتياط . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					