( وأما ) الأحكام المتعلقة بالجنابة  فما لا يباح للمحدث فعله من مس المصحف بدون غلافه ، ومس الدراهم التي عليها القرآن ، ونحو ذلك لا يباح للجنب من طريق الأولى لأن الجنابة أغلظ الحدثين ، ولو كانت الصحيفة على الأرض فأراد الجنب أن يكتب القرآن عليها  روي عن  أبي يوسف  أنه لا بأس ، لأنه ليس بحامل للصحيفة ، والكتابة توجد حرفا حرفا . 
وهذا ليس بقرآن وقال  محمد  أحب إلي أن لا يكتب ، لأن كتابة الحروف تجري مجرى القراءة . 
وروي عن  أبي يوسف  أنه لا يترك الكافر أن يمس المصحف  لأن الكافر نجس فيجب تنزيه المصحف عن مسه . 
وقال  محمد  لا بأس به إذا اغتسل ; لأن المانع هو الحدث وقد زال بالغسل ، وإنما بقي نجاسة اعتقاده ، وذلك في قلبه لا في يده ، ولا يباح للجنب قراءة القرآن  عند عامة العلماء وقال  مالك  يباح له ذلك وجه قوله إن الجنابة أحد الحدثين فيعتبر بالحدث الآخر ، وأنه لا يمنع من القراءة كذا  [ ص: 38 ] الجنابة . 
( ولنا ) ما روي أن { النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يحجزه شيء عن قراءة القرآن إلا الجنابة   } ، وعن  عبد الله بن عمر  رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { لا تقرأ الحائض ، ولا الجنب شيئا من القرآن   } ، وما ذكر من الاعتبار فاسد ، لأن أحد الحدثين حل الفم ، ولم يحل الآخر ، فلا يصح اعتبار أحدهما بالآخر ، ويستوي في الكراهة الآية التامة ، وما دون الآية عند عامة المشايخ وقال  الطحاوي    : لا بأس بقراءة ما دون الآية ، والصحيح قول العامة لما روينا من الحديثين من غير فصل بين القليل ، والكثير ، ولأن المنع من القراءة لتعظيم القرآن ، ومحافظة على حرمته ، وهذا لا يوجب الفصل بين القليل ، والكثير فيكره ذلك كله لكن إذا قصد التلاوة . 
فأما إذا لم يقصد بأن قال : باسم الله لافتتاح الأعمال تبركا ، أو قال : الحمد لله للشكر لا بأس به لأنه من باب ذكر اسم الله تعالى ، والجنب غير ممنوع عن ذلك ، وتكره قراءة القرآن في المغتسل والمخرج  ، لأن ذلك موضع الأنجاس . 
فيجب تنزيه القرآن عن ذلك ، وأما في الحمام فتكره عند  أبي حنيفة   ، وأبي يوسف  وعند  محمد  لا تكره بناء على أن الماء المستعمل نجس عندهما فأشبه المخرج . 
وعند  محمد  طاهر ، فلا تكره ولا يباح للجنب دخول المسجد  ، وإن احتاج إلى ذلك يتيمم ، ويدخل سواء كان الدخول لقصد المكث أو للاجتياز عندنا وقال  الشافعي    : يباح له الدخول بدون التيمم إذا كان مجتازا ، واحتج بقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة ، وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ، ولا جنبا إلا عابري سبيل ، حتى تغتسلوا    } قيل : المراد من الصلاة مكانها ، وهو المسجد كذا روي عن  ابن مسعود  ، وعابر سبيل هو المار يقال : عبر ، أي : مر نهي الجنب عن دخول المسجد بدون الاغتسال . 
واستثنى عابري السبيل ، وحكم المستثنى يخالف حكم المستثنى منه فيباح له الدخول بدون الاغتسال ( ولنا ) ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { سدوا الأبواب فإني لا أحلها لجنب ، ولا لحائض   } ، والهاء كناية عن المساجد نفى الحل من غير فصل بين المجتاز ، وغيره . 
وأما الآية فقد روي عن  علي   ، وابن عباس  رضي الله عنهما أن المراد هو حقيقة الصلاة ، وأن عابر السبيل هو المسافر الجنب الذي لا يجد الماء فيتيمم فكان هذا إباحة الصلاة بالتيمم للجنب المسافر إذا لم يجد الماء ، وبه نقول : وهذا التأويل أولى لأن فيه بقاء اسم الصلاة على حالها فكان أولى ، أو يقع التعارض بين التأويلين ، فلا تبقى الآية حجة له ، ولا يطوف بالبيت ، وإن طاف جاز مع النقصان لما ذكرنا في المحدث إلا أن النقصان مع الجنابة أفحش لأنها أغلظ ، ويصح من الجنب أداء الصوم دون الصلاة ، لأن الطهارة شرط جواز الصلاة دون الصوم ، ويجب عليه كلاهما ، حتى يجب عليه قضاؤهما بالترك ، لأن الجنابة لا تمنع من وجوب الصوم بلا شك ، ويصح أداؤه مع الجنابة ، ولا يمنع من وجوب الصلاة أيضا . 
وإن كان لا يصح أداؤها مع قيام الجنابة ، لأن في وسعه رفعها بالغسل قبل أن يتوضأ ، ولا بأس للجنب أن ينام ويعاود أهله  لما روي عن  عمر  رضي الله عنه أنه قال : يا رسول الله { أينام أحدنا ، وهو جنب قال : نعم ، ويتوضأ وضوءه للصلاة   } ، وله أن ينام قبل أن يتوضأ وضوءه للصلاة لما روي عن  عائشة  رضي الله عنها أنها قالت { كان النبي صلى الله عليه وسلم ينام ، وهو جنب من غير أن يمس ماء   } ، ولأن الوضوء ليس بقربة بنفسه ، وإنما هو لأداء الصلاة ، وليس في النوم ذلك ، وإن أراد أن يأكل ، أو يشرب فينبغي أن يتمضمض ، ويغسل يديه . 
ثم يأكل ، ويشرب ، لأن الجنابة حلت الفم فلو شرب قبل أن يتمضمض صار الماء مستعملا فيصير شاربا بالماء المستعمل ، ويده لا تخلو عن نجاسة فينبغي أن يغسلها ، ثم يأكل وهل يجب على الزوج ثمن ماء الاغتسال  اختلف المشايخ فيه قال بعضهم : لا يجب سواء كانت المرأة غنية أو فقيرة غير أنها إن كانت فقيرة يقال : للزوج إما أن تدعها حتى تنتقل إلى الماء ، أو تنقل الماء إليها وقال بعضهم : يجب ، وهو قول الفقيه  أبي الليث  رحمه الله ، لأنه لا بد لها منه فنزل منزلة الماء الذي للشرب ، وذلك عليه كذا هذا . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					