ومنها ردة أحد الزوجين    ; لأن الردة بمنزلة الموت ; لأنها سبب مفض إليه ، والميت لا يكون محلا للنكاح ، ولهذا لم يجز نكاح المرتد لأحد في الابتداء ، فكذا في حال البقاء ; ولأنه لا عصمة مع الردة ، وملك النكاح لا يبقى مع زوال العصمة غير أن ردة المرأة تكون فرقة بغير طلاق بلا خلاف . 
وأما ردة الرجل ، فهي فرقة بغير طلاق في قول  أبي حنيفة   وأبي يوسف    . 
وعند  محمد  فرقة بطلاق ( وجه ) قوله ظاهر ; لأن الأصل أن الفرقة إذا حصلت بمعنى من قبل الزوج ، وأمكن أن تجعل طلاقا تجعل طلاقا ; لأن الأصل في الفرقة هو فرقة الطلاق ، وأصل  أبي يوسف  ما ذكرنا أنه فرقة حصلت بسبب يشترك فيه الزوجان ; لأن الردة من كل واحد منهما سبب لثبوت الفرقة ، ثم الثابت بردتها فرقة بغير طلاق كذا بردته ،  ولأبي حنيفة  أن هذه الفرقة ، وإن كانت بسبب وجد من الرجل ، وهو ردته إلا أنه لا يمكن أن تجعل الردة طلاقا ; لأنها بمنزلة الموت ، وفرقة الموت لا تكون طلاقا ; لأن الطلاق تصرف يختص بما يستفاد بالنكاح ، والفرقة الحاصلة بالردة فرقة واقعة بطريق التنافي ; لأن الردة تنافي عصمة الملك ، وما كان طريقه التنافي لا يستفاد بملك النكاح ، فلا يكون طلاقا بخلاف الفرقة الحاصلة بإباء الزوج ; لأنها تثبت بفوات مقاصد النكاح وثمراته ، وذلك مضاف إلى الزوج ، فيلزمه الإمساك بالمعروف ، وإلا التسريح بالإحسان ، فإذا امتنع عنه ألزمه القاضي الطلاق الذي يحصل به التسريح بالإحسان كأنه طلق بنفسه ، والدليل على التفرقة بينهما أن فرقة الإباء لا تحصل إلا بالقضاء ، وفرقة الردة تثبت بنفس الردة ليعلم أن ثبوتها بطريق التنافي ، ثم الفرقة بردة أحد الزوجين تثبت بنفس الردة ، فتثبت في الحال عندنا . 
وعند  الشافعي  إن كان قبل الدخول ، فكذلك ، وإن كان بعد الدخول تتأجل الفرقة إلى مضي ثلاث حيض ، وهو على الاختلاف في إسلام أحد الزوجين  هذا إذا ارتد أحد الزوجين . 
فأما إذا ارتدا معا لا تقع الفرقة بينهما استحسانا حتى لو أسلما معا ، فهما على نكاحهما ، والقياس أن تقع الفرقة ، وهو قول  زفر    . 
وجه القياس أنه لو ارتد أحدهما لوقعت الفرقة  [ ص: 338 ] فكذا إذا ارتدا ; لأن في ردتهما ردة أحدهما ، وزيادة ، وللاستحسان إجماع الصحابة رضي الله عنهم ، فإنالعرب  لما ارتدت في زمن  أبي بكر  الصديق رضي الله عنه ثم أسلموا لم يفرق بينهم ، وبين نسائهم ، وكان ذلك بم حضر من الصحابة رضي الله عنهم ، فإن قيل بم يعلم هناك أنهم ارتدوا ، وأسلموا معا  ؟ فالجواب أنه لما لم يفرق بينهم وبين نسائهم فيما لم يعلم القران بل احتمل التقدم والتأخر في الردة ، والإسلام ففيما علم أولى أن لا يفرق ، ثم نقول الأصل في كل أمرين حادثين إذا لم يعلم تاريخ ما بينهما أن يحكم بوقوعهما معا كالغرقى ، والحرقى والهدمى ولو تزوج مسلم كتابية يهودية أو نصرانية ، فتمجست تثبت الفرقة ; لأن المجوسية لا تصلح لنكاح المسلم ألا ترى أنه لا يجوز له نكاحها ابتداء ، ثم إن كان ذلك قبل الدخول بها ، فلا مهر لها ، ولا نفقة ; لأنها فرقة بغير طلاق ، فكانت فسخا ، وإن كان بعد الدخول بها ، فلها المهر لما بينا فيما تقدم ، ولا نفقة لها ; لأن الفرقة جاءت من قبلها ، والأصل أن الفرقة إذا جاءت من قبلها ، فإن كان قبل الدخول بها ; فلا نفقة لها ولا مهر ، وإن جاءت من قبله قبل الدخول ; يجب نصف المسمى إن كان المهر سمي ، وإن لم يكن ; تجب المتعة ، وبعد الدخول يجب كل المهر ، والنفقة . 
ولو كانت يهودية ; فتنصرت أو نصرانية ; فتهودت لم تثبت الفرقة ، ولم يعترض عليه عندنا . 
وقال  الشافعي    : لا يمكن من القرار عليه ، ولكن تجبر على أن تسلم أو تعود إلى دينها الأول ، فإن لم تفعل حتى مضت ثلاث حيض ، وقعت الفرقة كما في المرتد ( وجه ) قوله أنها كانت مقرة بأن الدين الذي انتقلت إليه باطل ، فكان ترك الاعتراض تقريرا على الباطل ، وأنه لا يجوز . 
( ولنا ) أنها انتقلت من باطل إلى باطل ، والجبر على العود إلى الباطل باطل ، ولو كانت يهودية أو نصرانية ; فصبأت لم تثبت الفرقة في قول  أبي حنيفة  ، وفي قول  أبي يوسف  ،  ومحمد  تثبت الفرقة بناء على أنه يجوز للمسلم نكاح الصابئية  عنده ، وعندهما لا يجوز ، والمسألة مرت في موضعها . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					