( وأما ) السؤر المختلف في طهارته ونجاسته  فهو سؤر الخنزير والكلب وسائر سباع الوحش ، فإنه نجس عند عامة العلماء ، وقال  مالك    : طاهر وقال  الشافعي  سؤر السباع كلها طاهر سوى الكلب والخنزير . 
( أما ) الكلام مع  مالك  فهو يحج بظاهر قوله تعالى : { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا    } أباح الانتفاع بالأشياء كلها ، ولا يباح الانتفاع إلا بالطاهر ، إلا أنه حرم أكل بعض الحيوانات ، وحرمة الأكل لا تدل على النجاسة كالآدمي ، وكذا الذباب والعقرب والزنبور ونحوها طاهرة ولا يباح أكلها ، إلا أنه يجب غسل الإناء من ولوغ الكلب مع طهارته تعبدا ، ولنا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فاغسلوه ثلاثا ، وفي رواية خمسا ، وفي رواية سبعا   } والأمر بالغسل لم يكن تعبدا ، إذ لا قربة تحصل بغسل الأواني ; ألا ترى أنه لو لم يقصد صب الماء فيه في المستقبل لا يلزمه الغسل ، فعلم أنه لنجاسته ; ولأن سؤر هذه الحيوانات متحلب من لحومها ، ولحومها نجسة ويمكن التحرز عن سؤرها وصيانة الأواني عنها ; فيكون نجسا ضرورة . 
( وأما ) الكلام مع  الشافعي  فهو يحتج بما روي عن  ابن عمر  رضي الله عنهما { أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل فقيل : أنتوضأ بما أفضلت الحمر ؟ فقال : نعم ، وبما أفضلت السباع كلها   } وعن  جابر بن عبد الله  أن { النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن المياه التي بين مكة  والمدينة  وما يردها من السباع فقال صلى الله عليه وسلم : لها ما حملت في بطونها ، وما بقي فهو لنا شراب وطهور   } وهذا نص . 
( ولنا ) ما روي عن  عمر   وعمرو بن العاص  أنهما وردا حوضا فقال  عمرو بن العاص  لصاحب الحوض : أترد السباع حوضكم ؟ فقال  عمر  رضي الله عنه : يا صاحب الحوض لا تخبرنا ولو لم يتنجس الماء القليل بشربها منه لم يكن للسؤال ولا للنهي معنى ; ولأن هذا حيوان غير مأكول اللحم ويمكن صون الأواني عنها ، ويختلط بشربها لعابها بالماء ، ولعابها نجس ; لتحلبه من لحمها وهو نجس ، فكان سؤرها نجسا كسؤر الكلب والخنزير بخلاف الهرة ، لأن صيانة الأواني عنها غير ممكن وتأويل الحديثين أنه كان قبل تحريم لحم السباع ، أو السؤال وقع عن المياه الكثيرة وبه نقول : إن مثلها لا ينجس . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					