( فصل ) : 
وأما بيان كيفية الأذان  فهو على الكيفية المعروفة المتواترة من غير زيادة ولا نقصان عند عامة العلماء ، وزاد بعضهم ، ونقص البعض ، فقال  مالك    : يختم الأذان بقوله : " الله أكبر " ، اعتبارا للانتهاء بالابتداء . 
( ولنا ) حديث  عبد الله بن زيد  ، وفيه الختم ( بلا إله إلا الله ) وأصل الأذان ثبت بحديثه ، فكذا قدره ، وما يروون فيه من الحديث فهو غريب فلا يقبل خصوصا فيما تعم به البلوى ، والاعتماد في مثله على المشهور وهو ما روينا . 
وقال  مالك    : يكبر في الابتداء مرتين - وهو رواية عن  أبي يوسف    - اعتبارا بكلمة الشهادتين حيث يؤتى بها مرتين . 
( ولنا ) حديث  عبد الله بن زيد  ، وفيه التكبير أربع مرات بصوتين ، وروي عن  أبي محذورة  مؤذن مكة  أنه قال : علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان تسعة عشر كلمة ، والإقامة سبعة عشر كلمة ، وإنما يكون كذلك إذا كان التكبير فيه مرتين . 
وأما الاعتبار بالشهادتين فنقول : كل تكبيرتين بصوت واحد عندنا ، فكأنهما كلمة واحدة فيأتي بهما مرتين كما يأتي بالشهادتين وقال  الشافعي    : فيه ترجيع وهو أن يبتدئ المؤذن بالشهادتين فيقول : أشهد أن لا إله إلا الله مرتين ، أشهد أن محمدا  رسول الله مرتين ، يخفض بهما صوته ، ثم يرجع إليهما ويرفع بهما صوته . 
( واحتج ) بحديث أبي محذورة  أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : ارجع فمد بهما صوتك . 
( ولنا ) حديث  عبد الله بن زيد  وليس فيه  [ ص: 148 ] ترجيع ، وكذا لم يكن في آذان  بلال   وابن أم مكتوم  ترجيع . 
( وأما ) حديث { أبي محذورة  فقد كان في ابتداء الإسلام ، فإنه روى أنه لما أذن وكان حديث العهد بالإسلام قال : الله أكبر الله أكبر أربع مرات بصوتين ومد صوته ، فلما بلغ إلى الشهادتين خفض بهما صوته ، بعضهم قالوا : إنما فعل ذلك مخافة الكفار ، وبعضهم قالوا : إنه كان جهوري الصوت ، وكان في الجاهلية يجهر بسب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما بلغ إلى الشهادتين استحيا فخفض بهما صوته ، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرك أذنه وقال : ارجع وقل أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا  رسول الله ، ومد بهما صوتك غيظا للكفار   } . 
( وأما ) الإقامة فمثنى مثنى عند عامة العلماء كالأذان ، وعند  مالك   والشافعي  فرادى فرادى إلا قوله : " قد قامت الصلاة " فإنه يقولها مرتين عند  الشافعي  ، ( واحتجا ) بما روى  أنس بن مالك  أن  بلالا  رضي الله عنه أمر أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة ، والظاهر أن الآمر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم . 
( ولنا ) حديث  عبد الله بن زيد  أن النازل من السماء أتى بالأذان ومكث هنيهة ثم قال مثل ذلك إلا أنه زاد في آخره مرتين ( قد قامت الصلاة ) ، وروينا في حديث أبي محذورة    " والإقامة سبع عشرة كلمة " ، وإنما تكون كذلك إذا كانت مثنى . 
وقال  إبراهيم النخعي    : كان الناس يشفعون الإقامة حتى خرج هؤلاء يعني بني أمية  فأفردوا الإقامة ومثله لا يكذب ، وأشار إلى كون الإفراد بدعة ، والحديث محمول على الشفع والإيتار في حق الصوت والنفس دون حقيقة الكلمة ، بدليل ما ذكرنا والله أعلم . 
( وأما ) التثويب فالكلام فيه في ثلاثة مواضع : أحدها - في تفسير التثويب في الشرع ، والثاني - في المحل الذي شرع فيه ، والثالث - في وقته ( أما ) الأول - فقد ذكره  محمد    - رحمه الله تعالى - في كتاب الصلاة ، قلت : أرأيت كيف التثويب في صلاة الفجر  ؟ قال : كان التثويب الأول بعد الأذان " الصلاة خير من النوم " فأحدث الناس هذا التثويب وهو حسن ، فسر التثويب ، وبين وقته ، ولم يفسر التثويب المحدث ، ولم يبين وقته ، وفسر ذلك في الجامع الصغير وبين وقته فقال : التثويب الذي يصنعه الناس بين الأذان والإقامة في صلاة الفجر " حي على الصلاة حي على الفلاح " مرتين - حسن ، وإنما سماه محدثا لأنه أحدث في زمن التابعين ، ووصفه بالحسن لأنهم استحسنوه . 
وقد قال صلى الله عليه وسلم : { ما رآه المؤمنون حسنا فهو عند الله حسن ، وما رآه المؤمنون قبيحا فهو عند الله قبيح   } . 
( وأما ) محل التثويب  فمحل الأول هو صلاة الفجر عند عامة العلماء ، وقال بعض الناس بالتثويب في صلاة العشاء أيضا ، وهو أحد قولي  الشافعي    - رحمه الله تعالى - في القديم ، وأنكر التثويب في الجديد رأسا . 
( وجه ) قوله الأول أن هذا وقت نوم وغفلة كوقت الفجر فيحتاج إلى زيادة إعلام كما في وقت الفجر . 
( وجه ) قوله الآخر أن أبا محذورة  علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان تسع عشرة كلمة وليس فيها التثويب ، وكذا ليس في حديث  عبد الله بن زيد  ذكر التثويب . 
( ولنا ) ما روى  عبد الرحمن بن أبي ليلى  عن  بلال  رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { يا  بلال  ثوب في الفجر ولا تثوب في غيرها   } ، فبطل به المذهبان جميعا ، وعن  عبد الرحمن بن زيد بن أسلم  عن أبيه أن {  بلالا  أتى النبي صلى الله عليه وسلم يؤذنه بالصلاة فوجده راقدا فقال : الصلاة خير من النوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما أحسن هذا اجعله في أذانك   } ، وعن  أنس بن مالك  رضي الله عنه أنه قال : كان التثويب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم " الصلاة خير من النوم " وتعليم النبي صلى الله عليه وسلم أبا محذورة  ، وتعليم الملك كان تعليم أصل الأذان لا ما يذكر فيه من زيادة الإعلام ، وما ذكروا من الاعتبار غير سديد ; لأن وقت الفجر وقت نوم وغفلة بخلاف غيره من الأوقات ، مع أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن النوم قبل العشاء ، وعن السمر بعدها ، فالظاهر هو التيقظ . 
( وأما ) التثويب المحدث  فمحله صلاة الفجر أيضا ، ووقته ما بين الأذان والإقامة ، وتفسيره أن يقول : حي على الصلاة حي على الفلاح على ما بين في الجامع الصغير ، غير أن مشايخنا قالوا : لا بأس بالتثويب المحدث في سائر الصلوات لفرط غلبة الغفلة على الناس في زماننا ، وشدة ركونهم إلى الدنيا ، وتهاونهم بأمور الدين ، فصار سائر الصلوات في زماننا مثل الفجر في زمانهم ، فكان زيادة الإعلام من باب التعاون على البر والتقوى ، فكان مستحسنا ، ولهذا قال  أبو يوسف    : لا أرى بأسا أن يقول المؤذن : " السلام عليك  [ ص: 149 ] أيها الأمير ورحمة الله وبركاته ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، الصلاة يرحمك الله " ; لاختصاصهم بزيادة شغل بسبب النظر في أمور الرعية ، فاحتاجوا إلى زيادة إعلام نظرا لهم ، ثم التثويب في كل بلدة على ما يتعارفونه : إما بالتنحنح ، أو بقوله : الصلاة الصلاة ، أو قامت قامت ، أو بايك نماز بايك كما يفعل أهل بخارى    ; لأنه الإعلام ، والإعلام إنما يحصل بما يتعارفونه . 
( وأما ) وقته فقد بينا وقت التثويب القديم والمحدث جميعا والله الموفق . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					