( فصل ) : 
وأما عمل سلام السهو أنه هل يبطل التحريمة أم لا ؟  فقد اختلف فيه ، قال  محمد   وزفر    : لا يقطع التحريمة أصلا ، وعند  أبي حنيفة   وأبي يوسف  الأمر موقوف : إن عاد إلى سجدتي السهو وصح عوده إليهما تبين أنه لم يقطع ، وإن لم يعد تبين أنه قطع ، حتى لو ضحك بعد ما سلم قبل أن يعود إلى سجدتي السهو لا تنتقض طهارته عندهما . 
وعند  محمد   وزفر  تنتقض ، ومن مشايخنا من قال : لا توقف في انقطاع التحريمة بسلام السهو عند  أبي حنيفة   وأبي يوسف  بل تنقطع من غير توقف ، وإنما التوقف عندهما في عود التحريمة ثانيا ، إن عاد إلى سجدتي تعد وإلا فلا ، وهذا أسهل لتخريج المسائل ، والأول وهو التوقف في بقاء التحريمة ، وبطلانها أصح ; لأن التحريمة تحريمة واحدة فإذا بطلت لا تعود إلا بإعادة ، ولم توجد . 
( وجه ) قول  محمد   وزفر  أن الشرع أبطل عمل سلام من عليه سجدتا السهو ; لأن سجدتي السهو يؤتى بهما في تحريم الصلاة ; لأنهما شرعتا لجبران النقصان ، وإنما ينجبر إن حصلتا في تحريمة الصلاة ، ولهذا يسقطان إذا وجد بعد القعود قدر التشهد ما ينافي التحريمة ، ولا يمكن تحصيلهما في تحريمة الصلاة إلا بعد بطلان عمل هذا السلام ، فصار وجوده وعدمه في هذه الحالة بمنزلة ، ولو انعدم حقيقة كانت التحريمة باقية ، فكذا إذا التحق بالعدم . 
 ولأبي حنيفة   وأبي يوسف  أن السلام جعل محللا في الشرع ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : وتحليلها ، التسليم ، والتحليل ما يحصل به التحلل ، ولأنه خطاب للقوم فكان من كلام الناس ، وإنه مناف للصلاة ، غير أن الشرع أبطل عمله في هذه الحالة لحاجة المصلي إلى جبر النقصان ، ولا ينجبر إلا عند وجود الجابر في التحريمة ليلتحق الجابر بسبب بقاء التحريمة لمحل النقصان فيجبر النقصان ، فنفينا التحريمة مع وجود المنافي لها لهذه الضرورة ، فإن اشتغل بسجدتي السهو وصح اشتغاله بهما تحققت الضرورة إلى بقاء التحريمة فبقيت ، وإن لم يشتغل لم تتحقق الضرورة فيعمل السلام في الإخراج عن الصلاة ، وإبطال التحريمة عمله . 
ويبنى على هذا الأصل ثلاث مسائل : إحداها : إذا قهقه قبل العود إلى السجود بعد السلام  تمت صلاته وسقط عنه السهو بالإجماع ، ولا تنتقض طهارته عند  أبي حنيفة   وأبي يوسف  ، وهو قول  زفر  بناء على أصله في القهقهة : أنها في كل موضع لا توجب فساد الصلاة لا توجب انتقاض الطهارة ، كما إذا قعد قدر التشهد الأخير قبل السلام ، وعند  محمد  تنتقض طهارته . 
والثانية إذا سلم وعليه سجدتا السهو ، فجاء رجل فاقتدى به قبل أن يعود إلى السجود -  فاقتداؤه موقوف عند  أبي حنيفة   وأبي يوسف  ، فإن عاد إلى السجود صح وإلا فلا ، وعند  محمد   وزفر  صح اقتداؤه به عاد أو لم يعد ، وقال بشر     : لا يصح اقتداؤه به عاد أو لم يعد ، فكأنه جعل السلام قاطعا للتحريمة جزما . 
والثالثة : المسافر إذا سلم على رأس الركعتين في ذوات الأربع وعليه سهو فنوى الإقامة قبل أن يعود إليه -  لا ينقلب فرضه أربعا ويسقط عنه السهو عند  أبي حنيفة   وأبي يوسف  ، وعند  محمد   وزفر  ينقلب فرضه أربعا وعليه سجدتا السهو لكنه يؤخرهما إلى آخر الصلاة ، وأجمعوا على أنه لو عاد إلى سجود السهو ثم اقتدى به - رجل يصح اقتداؤه به ، إلا عند بشر     . 
وكذلك لو قهقه في هذه الحالة تنتقض طهارته إلا عند  زفر    . 
وكذلك لو نوى الإقامة في هذه  [ ص: 175 ] الحالة ينقلب فرضه أربعا ويؤخر سجود السهو إلى آخر الصلاة ، سواء نوى الإقامة بعد ما سجد سجدة واحدة أو سجدتين ، ثم لا يفترق الحال في سجود السهو سيما إذا سلم وهو ذاكر له ، أو ساه عنه ومن نيته أن يسجد له أو لا يسجد حتى لا يسقط عنه في الأحوال كلها ; لأن محله بعد السلام إلا إذا فعل فعلا يمنعه من البناء بأن تكلم أو قهقه أو أحدث متعمدا أو خرج عن المسجد أو صرف وجهه عن القبلة وهو ذاكر له ; لأنه فات محله وهو تحريمة الصلاة ، فيسقط ضرورة فوات محله ، وكذا إذا طلعت الشمس بعد السلام في صلاة الفجر أو احمرت في صلاة العصر سقط عنه السهو ; لأن السجدة جبر للنقص المتمكن فيجري مجرى القضاء ، وقد وجبت كاملة فلا يقضى الناقص . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					