( فصل ) : 
وأما بيان حكم الحجر  فحكمه يظهر في مال المحجور ، وفي التصرف في ماله ( أما ) حكم المال فأما المجنون فإنه يمنع عنه ماله مادام مجنونا ،  وكذلك الصبي الذي لا يعقل ; لأن وضع المال في يد من لا عقل له إتلاف المال . 
( وأما ) الصبي العاقل فيمنع عنه ماله إلى أن يؤنس منه رشده  ولا بأس للولي أن يدفع إليه شيئا من أمواله ، ويأذن له بالتجارة للاختبار عندنا لقوله تعالى { وابتلوا اليتامى    } أذن سبحانه وتعالى للأولياء في ابتلاء اليتامى ، والابتلاء الاختبار ، وذلك بالتجارة فكان الإذن بالابتلاء إذنا بالتجارة ، وإذا اختبره فإن آنس منه رشدا دفع الباقي إليه لقوله تعالى { فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم    } والرشد هو الاستقامة والاهتداء في حفظ المال وإصلاحه وهذا عندنا وعند  الشافعي  رحمه الله يمنع منه ماله ولا يجوز للولي أن يدفع شيئا من أمواله إليه ، وأن يأذن له بالتجارة قبل البلوغ ، والمسألة نذكرها في كتاب المأذون إن شاء الله تعالى ، وإن لم يأنس منه رشدا منعه منه إلى أن يبلغ ، فإن بلغ رشيدا دفع إليه ، وإن بلغ سفيها مفسدا مبذرا فإنه يمنع عنه ماله إلى خمس وعشرين بالإجماع ، فإذا بلغ هذا المبلغ ولم يؤنس رشده دفع إليه عند  أبي حنيفة  رضي الله عنه وعندهما لا يدفع إليه ما دام سفيها . 
( وأما ) الرقيق فلا مال له يمنع فلا يظهر أثر الحجر في حقه في المال  ، وإنما يظهر في التصرفات ، هذا حكم الحجر في مال المحجور . 
( وأما ) حكمه في تصرفه فالتصرف لا يخلو إما أن يكون من  [ ص: 171 ] الأقوال ، وإما أن يكون من الأفعال . 
( أما ) التصرفات القولية فعلى ثلاثة أقسام : نافع محض ، وضار محض ودائر بين الضرر والنفع . 
( أما ) المجنون فلا تصح منه التصرفات القولية  كلها فلا يجوز طلاقه وعتاقه وكتابته وإقراره ، ولا ينعقد بيعه وشراؤه حتى لا تلحقه الإجازة ، ولا يصح منه قبول الهبة والصدقة والوصية ، وكذا الصبي الذي لا يعقل ; لأن الأهلية شرط جواز التصرف وانعقاده ولا أهلية بدون العقل . 
( وأما ) الصبي العاقل فتصح منه التصرفات النافعة  بلا خلاف ، ولا تصح منه التصرفات الضارة المحضة بالإجماع 
( وأما ) الدائرة بين الضرر والنفع كالبيع والشراء والإجارة ونحوها فينعقد عندنا موقوفا على إجازة وليه فإن أجاز جاز ، وإن رد بطل وعند  الشافعي  رحمه الله لا تنعقد أصلا وهي مسألة تصرفات الصبي العاقل ، وقد مرت في موضعها . 
( وأما ) الرقيق فيصح منه قبول الهبة ، والصدقة والوصية  ، وكذا يصح طلاقه وإقراره بالحدود والقصاص . 
( وأما ) إقراره بالمال فلا يصح في حق مولاه ، ويصح في حق نفسه حتى يؤاخذ به بعد العتاق . 
( وأما ) البيع وغيره من التصرفات الدائرة بين الضرر والنفع فلا ينفذ بل ينعقد موقوفا على إجازة المولى ، ودلائل هذه المسائل ذكرت في مواضعها ( وأما ) التصرفات الفعلية وهي الغصوب والإتلافات فهذه العوارض وهي : الصبا ، والجنون ، والرق لا توجب الحجر فيها حتى لو أتلف الصبي والمجنون شيئا ، فضمانه في مالهما ، وكذا العبد إذا أتلف مال إنسان فإنه يؤاخذ به لكن بعد العتاق . 
( وأما ) السفيه  فعند  أبي حنيفة  عليه الرحمة ليس بمحجور عن التصرفات أصلا وحاله وحال الرشيد في التصرفات سواء لا يختلفان إلا في وجه واحد : وهو أن الصبي إذا بلغ سفيها يمنع عنه ماله إلى خمس وعشرين سنة ، وإذا بلغ رشيدا يدفع إليه ماله . 
( فأما ) في التصرفات فلا يختلفان حتى لو تصرف بعد ما بلغ سفيها ومنع عنه ماله نفذ تصرفه ، كما ينفذ بعد أن دفع المال إليه عنده . 
( وأما ) عندهما فحكمه وحكم الصبي العاقل والبالغ المعتوه سواء فلا ينفذ بيعه ، وشراؤه ، وإجارته وهبته ، وصدقته وما أشبه ذلك من التصرفات التي تحتمل النقض والفسخ . 
( وأما ) فيما سوى ذلك فحكمه وحكم البالغ العاقل الرشيد سواء ، فيجوز طلاقه ونكاحه وإعتاقه وتدبيره واستيلاده ، وتجب عليه نفقة زوجاته وأقاربه ، والزكاة في ماله ، وحجة الإسلام ، وينفق على زوجاته ، وأقاربه ، ويؤدي الزكاة من ماله ، ولا يمنع من حجة الإسلام ولا من العمرة ، ولا من القرابين ، وسوق البدنة لكن يسلم القاضي النفقة والكراء والهدي على يد أمين لينفق عليه في الطريق ، ولا ولاية عليه لأبيه وجده ووصيهما ، ويجوز إقراره على نفسه بالحدود والقصاص ، وتجوز وصاياه بالقرب في مرض موته من ثلث ماله ، وغير ذلك من التصرفات التي تصح من العاقل البالغ الرشيد ، إلا أنه إذا تزوج امرأة بأكثر من مهر مثلها فالزيادة باطلة ، وإذا أعتق عبده يسعى في قيمته في ظاهر الرواية وذكر  الطحاوي  عن  محمد  رحمهما الله أنه رجع عن ذلك ، وقال يعتق من غير سعاية فأما فيما سوى ذلك فلا يختلفان ، ولو باع السفيه أو اشترى نظر القاضي في ذلك فما كان خيرا أجاز وما كان فيه مضرة رده والله سبحانه وتعالى أعلم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					