فصل 
الحكم السابع : إلحاق الولد بأمه عند انقطاع نسبه من جهة أبيه  ، وهذا الإلحاق يفيد حكما زائدا على إلحاقه بها مع ثبوت نسبه من الأب ، وإلا كان عديم الفائدة ، فإن خروج الولد منها أمر محقق ، فلا بد في الإلحاق من أمر زائد عليه ، وعلى ما كان حاصلا مع ثبوت النسب من الأب ، وقد اختلف في ذلك . 
فقالت طائفة : أفاد هذا الإلحاق قطع توهم انقطاع نسب الولد من الأم كما انقطع من الأب ، وأنه لا ينسب إلى أم ولا إلى أب ، فقطع النبي صلى الله عليه وسلم هذا الوهم وألحق الولد بالأم ، وأكد هذا بإيجابه الحد على من قذفه أو قذف أمه ، وهذا قول  الشافعي  ومالك   وأبي حنيفة  ، وكل من لا يرى أن أمه وعصباتها له . 
وقالت طائفة ثانية : بل أفادنا هذا الإلحاق فائدة زائدة ، وهي تحويل النسب الذي كان إلى أبيه إلى أمه ، وجعل أمه قائمة مقام أبيه في ذلك ، فهي عصبته وعصباتها أيضا عصبته ، فإذا مات حازت ميراثه ، وهذا قول  ابن مسعود  ، ويروى عن علي  ، وهذا القول هو الصواب ؛ لما روى أهل السنن الأربعة من حديث  واثلة بن الأسقع  عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( تحوز المرأة ثلاثة مواريث : عتيقها ولقيطها وولدها الذي لاعنت عليه  ) ورواه  الإمام أحمد  وذهب إليه . 
وروى أبو داود  في " سننه " : من حديث  عمرو بن شعيب  ، عن أبيه ، عن  [ ص: 360 ] جده ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ( جعل ميراث ابن الملاعنة لأمه ولورثتها من بعدها  ) 
وفي " السنن " أيضا مرسلا : من حديث مكحول  قال : ( جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ميراث ابن الملاعنة  لأمه ولورثتها من بعدها  ) 
وهذه الآثار موافقة لمحض القياس ، فإن النسب في الأصل للأب ، فإذا انقطع من جهته صار للأم ، كما أن الولاء في الأصل لمعتق الأب ، فإذا كان الأب رقيقا كان لمعتق الأم . فلو أعتق الأب بعد هذا انجر الولاء من موالي الأم إليه ورجع إلى أصله ، وهو نظير ما إذا كذب الملاعن نفسه واستلحق الولد رجع النسب والتعصيب من الأم وعصبتها إليه . فهذا محض القياس وموجب الأحاديث والآثار ، وهو مذهب حبر الأمة وعالمها  عبد الله بن مسعود  ، ومذهب إمامي أهل الأرض في زمانهما  أحمد بن حنبل   وإسحاق بن راهويه  ، وعليه يدل القرآن بألطف إيماء وأحسنه ، فإن الله سبحانه جعل عيسى  من ذرية إبراهيم  بواسطة مريم  أمه ، وهي من صميم ذرية إبراهيم  ، وسيأتي مزيد تقرير لهذا عند ذكر أقضية النبي صلى الله عليه وسلم وأحكامه في الفرائض إن شاء الله تعالى . 
فإن قيل : فما تصنعون بقوله في حديث سهل  الذي رواه  مسلم  في " صحيحه " في قصة اللعان وفي آخره : ثم جرت السنة أن يرث منها وترث منه ما فرض الله لها ؟ 
قيل : نتلقاه بالقبول والتسليم والقول بموجبه ، وإن أمكن أن يكون مدرجا من كلام  ابن شهاب  ، وهو الظاهر ؛ فإن تعصيب الأم لا يسقط ما فرض الله لها من ولدها في كتابه ، وغايتها أن تكون كالأب حيث يجتمع له الفرض والتعصيب ، فهي تأخذ فرضها ولا بد ، فإن فضل شيء أخذته  [ ص: 361 ] بالتعصيب ، وإلا فازت بفرضها ، فنحن قائلون بالآثار كلها في هذا الباب بحمد الله وتوفيقه . 
				
						
						
