[ ص: 323 ] فصل 
وأما القسم الثاني وهو أن تطلق ألفاظ الذم على من ليس من أهلها ، فمثل نهيه صلى الله عليه وسلم عنسب الدهر  وقال : ( إن الله هو الدهر  ) وفي حديث آخر ( يقول الله عز وجل : يؤذيني ابن آدم فيسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار  ) وفي حديث آخر ( لا يقولن أحدكم : يا خيبة الدهر  ) 
في هذا ثلاث مفاسد عظيمة . 
إحداها : سبه من ليس بأهل أن يسب ، فإن الدهر خلق مسخر من خلق الله ، منقاد لأمره مذلل لتسخيره ، فسابه أولى بالذم والسب منه . 
الثانية أن سبه متضمن للشرك ، فإنه إنما سبه لظنه أنه يضر وينفع ، وأنه مع ذلك ظالم قد ضر من لا يستحق الضرر ، وأعطى من لا يستحق العطاء ، ورفع من لا يستحق الرفعة ، وحرم من لا يستحق الحرمان ، وهو عند شاتميه من أظلم الظلمة ، وأشعار هؤلاء الظلمة الخونة في سبه كثيرة جدا . وكثير من الجهال يصرح بلعنه وتقبيحه . 
 [ ص: 324 ] الثالثة : أن السب منهم إنما يقع على من فعل هذه الأفعال التي لو اتبع الحق فيها أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ، وإذا وقعت أهواؤهم حمدوا الدهر وأثنوا عليه . وفي حقيقة الأمر ، فرب الدهر تعالى هو المعطي المانع ، الخافض الرافع ، المعز المذل ، والدهر ليس له من الأمر شيء ، فمسبتهم للدهر مسبة لله عز وجل ، ولهذا كانت مؤذية للرب تعالى ، كما في " الصحيحين " من حديث  أبي هريرة  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( قال الله تعالى : يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر  ) فساب الدهر دائر بين أمرين لا بد له من أحدهما . إما سبه لله ، أو الشرك به ، فإنه إذا اعتقد أن الدهر فاعل مع الله فهو مشرك ، وإن اعتقد أن الله وحده هو الذي فعل ذلك ، وهو يسب من فعله فقد سب الله . 
ومن هذا قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يقولن أحدكم : تعس الشيطان فإنه يتعاظم حتى يكون مثل البيت ، فيقول : بقوتي صرعته ، ولكن ليقل : بسم الله ، فإنه يتصاغر حتى يكون مثل الذباب  ) 
وفي حديث آخر ( إن العبد إذا لعن الشيطان يقول : إنك لتلعن ملعنا  ) 
ومثل هذا قول القائل : أخزى الله الشيطان ، وقبح الله الشيطان  ، فإن ذلك كله يفرحه ، ويقول علم ابن آدم أني قد نلته بقوتي ، وذلك مما يعينه على إغوائه ، ولا يفيده شيئا ، فأرشد النبي صلى الله عليه وسلم من مسه شيء من الشيطان ، أن يذكر الله تعالى ، ويذكر اسمه ويستعيذ بالله منه ، فإن ذلك أنفع له وأغيظ للشيطان . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					