فصل 
في هديه صلى الله عليه وسلم في أذكار السفر وآدابه  
صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إذا هم أحدكم بالأمر ، فليركع ركعتين من غير الفريضة ، ثم ليقل : اللهم إني أستخيرك بعلمك ، وأستقدرك بقدرتك ، وأسألك من فضلك العظيم ، فإنك تقدر ولا أقدر ، وتعلم ولا أعلم ، وأنت علام الغيوب ، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي ، وعاجل أمري وآجله ، فاقدره لي ، ويسره لي ، وبارك لي فيه ، وإن كنت تعلمه شرا لي في ديني ومعاشي ، وعاجل أمري وآجله ، فاصرفه عني ، واصرفني عنه ، واقدر لي الخير حيث كان ،  [ ص: 405 ] ثم رضني به " قال : ويسمي حاجته  ) ، قال : رواه  البخاري   . 
فعوض رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته بهذا الدعاء ، عما كان عليه أهل الجاهلية من زجر الطير والاستقسام بالأزلام  الذي نظيره هذه القرعة التي كان يفعلها إخوان المشركين ، يطلبون بها علم ما قسم لهم في الغيب ، ولهذا سمي ذلك استقساما ، وهو استفعال من القسم ، والسين فيه للطلب وعوضهم بهذا الدعاء الذي هو توحيد وافتقار ، وعبودية ، وتوكل ، وسؤال لمن بيده الخير كله الذي لا يأتي بالحسنات إلا هو ، ولا يصرف السيئات إلا هو الذي إذا فتح لعبده رحمة لم يستطع أحد حبسها عنه ، وإذا أمسكها لم يستطع أحد إرسالها إليه من التطير والتنجيم واختيار الطالع ونحوه . فهذا الدعاء ، هو الطالع الميمون السعيد ، طالع أهل السعادة والتوفيق ، الذين سبقت لهم من الله الحسنى ، لا طالع أهل الشرك والشقاء والخذلان ، الذين يجعلون مع الله إلها آخر ، فسوف يعلمون . 
فتضمن هذا الدعاء الإقرار بوجوده سبحانه ، والإقرار بصفات كماله من كمال العلم والقدرة والإرادة ، والإقرار بربوبيته ، وتفويض الأمر إليه ، والاستعانة به ، والتوكل عليه ، والخروج من عهدة نفسه ، والتبري من الحول والقوة إلا به ، واعتراف العبد بعجزه عن علمه بمصلحة نفسه وقدرته عليها ، وإرادته لها ، وأن ذلك كله بيد وليه وفاطره وإلهه الحق . 
وفي " مسند  الإمام أحمد   " من حديث  سعد بن أبي وقاص  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من سعادة ابن آدم استخارة الله ورضاه بما قضى الله ، ومن شقاوة ابن آدم  [ ص: 406 ] ترك استخارة الله ، وسخطه بما قضى الله  ) . 
فتأمل كيف وقع المقدور مكتنفا بأمرين : التوكل الذي هو مضمون الاستخارة قبله ، والرضى بما يقضي الله له بعده ، وهما عنوان السعادة . وعنوان الشقاء أن يكتنفه ترك التوكل والاستخارة قبله ، والسخط بعده ، والتوكل قبل القضاء . فإذا أبرم القضاء وتم ، انتقلت العبودية إلى الرضى بعده ، كما في " المسند " ، وزاد  النسائي  في الدعاء المشهور : ( وأسألك الرضى بعد القضاء  ) . وهذا أبلغ من الرضى بالقضاء ، فإنه قد يكون عزما فإذا وقع القضاء ، تنحل العزيمة ، فإذا حصل الرضى بعد القضاء ، كان حالا أو مقاما . 
والمقصود أن الاستخارة توكل على الله وتفويض إليه واستقسام بقدرته وعلمه ، وحسن اختياره لعبده ، وهي من لوازم الرضى به ربا ، الذي لا يذوق طعم الإيمان من لم يكن كذلك ، وإن رضي بالمقدور بعدها ، فذلك علامة سعادته . 
وذكر  البيهقي  وغيره عن أنس  رضي الله عنه قال : لم يرد النبي صلى الله عليه وسلم سفرا قط إلا قال  حين ينهض من جلوسه : ( اللهم بك انتشرت ، وإليك توجهت ، وبك اعتصمت ، وعليك توكلت ، اللهم أنت ثقتي ، وأنت رجائي ، اللهم اكفني ما أهمني وما لا أهتم له ، وما أنت أعلم به مني ، عز جارك ، وجل ثناؤك ، ولا إله غيرك ، اللهم زودني التقوى ، واغفر لي ذنبي ، ووجهني للخير أينما توجهت ) ، ثم يخرج  . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					