[ ص: 18 ] فصل 
وبادر إلى الإسلام  علي بن أبي طالب  رضي الله عنه  ، وكان ابن ثمان سنين ، وقيل : أكثر من ذلك ، وكان في كفالة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أخذه من عمه أبي طالب  إعانة له في سنة محل . 
وبادر  زيد بن حارثة   حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان غلاما  لخديجة  ، فوهبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوجها ، وقدم أبوه وعمه في فدائه ، فسألا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فقيل : هو في المسجد ، فدخلا عليه ، فقالا : يا ابن عبد المطلب  ، يا ابن هاشم  ، يا ابن سيد قومه ، أنتم أهل حرم الله وجيرانه ، تفكون العاني وتطعمون الأسير ، جئناك في ابننا عندك ، فامنن علينا وأحسن إلينا في فدائه ، قال : ومن هو ؟ قالوا :  زيد بن حارثة  ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فهلا غير ذلك ، قالوا : ما هو ؟ قال : أدعوه فأخيره ، فإن اختاركم فهو لكم ، وإن اختارني فوالله ما أنا بالذي أختار على من اختارني أحدا ، قالا : قد رددتنا على النصف ، وأحسنت ، فدعاه فقال : هل تعرف هؤلاء ؟ قال : نعم ، قال : من هذا ؟ ، قال : هذا أبي ، وهذا عمي ، قال : فأنا من قد علمت ورأيت ، وعرفت صحبتي لك ، فاخترني أو اخترهما ، قال : ما أنا بالذي أختار عليك أحدا أبدا ، أنت مني مكان الأب والعم ، فقالا : ويحك يا زيد  أتختار العبودية على الحرية وعلى أبيك وعمك وعلى أهل بيتك ؟ ، قال : نعم ، قد رأيت من هذا الرجل شيئا ما أنا بالذي أختار عليه أحدا أبدا ، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أخرجه إلى الحجر فقال : أشهدكم أن زيدا  ابني يرثني وأرثه ، فلما رأى ذلك أبوه وعمه طابت نفوسهما فانصرفا ، ودعي زيد بن محمد حتى جاء الله بالإسلام فنزلت ( ادعوهم لآبائهم   ) [ الأحزاب : 5 ]  [ ص: 19 ] فدعي من يومئذ :  زيد بن حارثة   . قال معمر  في " جامعه " عن  الزهري   : ما علمنا أحدا أسلم قبل  زيد بن حارثة  ، وهو الذي أخبر الله عنه في كتابه أنه أنعم عليه ، وأنعم عليه رسوله ، وسماه باسمه  . 
وأسلم القس ورقة بن نوفل  ، وتمنى أن يكون جذعا إذ يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه ، وفي " جامع  الترمذي   " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( رآه في المنام في هيئة حسنة  ) ، وفي حديث آخر : أنه رآه في ثياب بياض . 
ودخل الناس في الدين واحدا بعد واحد ، وقريش  لا تنكر ذلك ، حتى بادأهم بعيب دينهم وسب آلهتهم ، وأنها لا تضر ولا تنفع ، فحينئذ شمروا له ولأصحابه عن ساق العداوة ، فحمى الله رسوله بعمه أبي طالب  ؛ لأنه كان شريفا معظما في قريش  مطاعا في أهله ، وأهل مكة   لا يتجاسرون على مكاشفته بشيء من الأذى . 
 [ ص: 20 ] وكان من حكمة أحكم الحاكمين بقاؤه على دين قومه ؛ لما في ذلك من المصالح التي تبدو لمن تأملها . 
وأما أصحابه ، فمن كان له عشيرة تحميه امتنع بعشيرته ، وسائرهم تصدوا له بالأذى والعذاب ، منهم :  عمار بن ياسر  ، وأمه سمية  ، وأهل بيته عذبوا في الله  ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مر بهم وهم يعذبون يقول : ( صبرا يا آل ياسر  فإن موعدكم الجنة  ) . 
ومنهم  :  بلال بن رباح  ، فإنه عذب في الله أشد العذاب  ، فهان على قومه ، وهانت عليه نفسه في الله ، وكان كلما اشتد عليه العذاب يقول : أحد أحد ، فيمر به ورقة بن نوفل  فيقول : إي والله يا بلال  ، أحد أحد ، أما والله لئن قتلتموه لأتخذنه حنانا  . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					