فصل 
وأما هديه في عقد الذمة وأخذ الجزية  ، فإنه لم يأخذ من أحد من الكفار جزية إلا بعد نزول ( سورة براءة ) في السنة الثامنة من الهجرة ، فلما نزلت آية الجزية ، أخذها من المجوس ، وأخذها من أهل الكتاب ، وأخذها من النصارى  ، وبعث معاذا  رضي الله عنه إلى اليمن  ، فعقد لمن لم يسلم من يهودها الذمة ، وضرب عليهم الجزية ولم يأخذها من يهود خيبر   ، فظن بعض الغالطين المخطئين أن هذا حكم مختص بأهل خيبر  ، وأنه لا يؤخذ منهم جزية وإن أخذت من سائر أهل الكتاب ، وهذا من عدم فقهه في السير والمغازي ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلهم وصالحهم على أن يقرهم في الأرض ما شاء ولم تكن الجزية نزلت بعد ، فسبق عقد صلحهم وإقرارهم في أرض خيبر  نزول الجزية ، ثم أمره الله سبحانه وتعالى أن يقاتل أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية فلم يدخل في  [ ص: 138 ] هذا يهود خيبر  إذ ذاك ، لأن العقد كان قديما بينه وبينهم على إقرارهم ، وأن يكونوا عمالا في الأرض بالشطر ، فلم يطالبهم بشيء غير ذلك وطالب سواهم من أهل الكتاب ممن لم يكن بينه وبينهم عقد كعقدهم بالجزية ، كنصارى نجران  ، ويهود اليمن  ، وغيرهم . فلما أجلاهم عمر  إلى الشام  ، تغير ذلك العقد الذي تضمن إقرارهم في أرض خيبر  ، وصار لهم حكم غيرهم من أهل الكتاب . 
ولما كان في بعض الدول التي خفيت فيها السنة وأعلامها ، أظهر طائفة منهم كتابا قد عتقوه وزوروه ، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أسقط عن يهود خيبر  الجزية ، وفيه شهادة  علي بن أبي طالب  ،  وسعد بن معاذ  ، وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم ، فراج ذلك على من جهل سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومغازيه وسيره ، وتوهموا ، بل ظنوا صحته ، فجروا على حكم هذا الكتاب المزور حتى ألقي إلى شيخ الإسلام ابن تيمية   - قدس الله روحه - وطلب منه أن يعين على تنفيذه ، والعمل عليه ، فبصق عليه ، واستدل على كذبه بعشرة أوجه : 
منها : أن فيه شهادة  سعد بن معاذ  ، وسعد  توفي قبل خيبر  قطعا . 
ومنها : أن في الكتاب أنه أسقط عنهم الجزية والجزية لم تكن نزلت بعد ، ولا يعرفها الصحابة حينئذ ، فإن نزولها كان عام تبوك  بعد خيبر بثلاثة أعوام . 
ومنها : أنه أسقط عنهم الكلف والسخر ، وهذا محال ، فلم يكن في زمانه كلف ولا سخر تؤخذ منهم ولا من غيرهم ، وقد أعاذه الله ، وأعاذ أصحابه من أخذ الكلف والسخر ، وإنما هي من وضع الملوك الظلمة واستمر الأمر عليها . 
ومنها : أن هذا الكتاب لم يذكره أحد من أهل العلم على اختلاف أصنافهم ، فلم يذكره أحد من أهل المغازي والسير ، ولا أحد من أهل الحديث والسنة ، ولا أحد من أهل الفقه والإفتاء ، ولا أحد من أهل التفسير ولا أظهروه في زمان السلف ، لعلمهم أنهم إن زوروا مثل ذلك ، عرفوا كذبه وبطلانه ، فلما استخفوا بعض الدول في وقت فتنة وخفاء بعض السنة ، زوروا ذلك ، وعتقوه وأظهروه وساعدهم على ذلك طمع بعض الخائنين لله ولرسوله ولم يستمر لهم ذلك حتى  [ ص: 139 ] كشف الله أمره وبين خلفاء الرسل بطلانه وكذبه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					