[ ص: 158 ] واستنصر المسلمون الله ، واستغاثوه ، وأخلصوا له ، وتضرعوا إليه ، فأوحى الله إلى ملائكته : ( أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب   ) [ الأنفال : 12 ] ، وأوحى الله إلى رسوله : ( أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين   ) [ الأنفال : 9 ] ، قرئ بكسر الدال وفتحها ، فقيل : المعنى إنهم ردف لكم . وقيل : يردف بعضهم بعضا أرسالا لم يأتوا دفعة واحدة . 
فإن قيل : هاهنا ذكر أنه أمدهم بألف ، وفي ( سورة آل عمران ) قال : ( إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين  بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين   ) [ آل عمران : 124- 125 ] فكيف الجمع بينهما ؟ 
قيل : قد اختلف في هذا الإمداد الذي بثلاثة آلاف ، والذي بالخمسة  على قولين : 
أحدهما : أنه كان يوم أحد ، وكان إمدادا معلقا على شرط ، فلما فات شرطه ، فات الإمداد ، وهذا قول الضحاك  ومقاتل  ، وإحدى الروايتين عن عكرمة   . 
والثاني : أنه كان يوم بدر  ، وهذا قول  ابن عباس  ، ومجاهد  ، وقتادة   . 
 [ ص: 159 ] والرواية الأخرى عن عكرمة  ، اختاره جماعة من المفسرين . وحجة هؤلاء أن السياق يدل على ذلك ، فإنه سبحانه قال : ( ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون  إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين  بلى إن تصبروا وتتقوا   ) [ آل عمران : 123 - 125 ] إلى أن قال : ( وما جعله الله   ) أي : هذا الإمداد ( إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به   ) قال هؤلاء : فلما استغاثوا ، أمدهم بتمام ثلاثة آلاف ، ثم أمدهم بتمام خمسة آلاف لما صبروا واتقوا ، فكان هذا التدريج ومتابعة الإمداد أحسن موقعا ، وأقوى لنفوسهم ، وأسر لها من أن يأتي به مرة واحدة ، وهو بمنزلة متابعة الوحي ونزوله مرة بعد مرة . 
وقالت الفرقة الأولى : القصة في سياق أحد  ، وإنما أدخل ذكر بدر  اعتراضا في أثنائها ، فإنه سبحانه قال : ( وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون   ) [ آل عمران : 121 ] ، ثم قال : ( ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون   ) [ آل عمران : 123 ] ، فذكرهم نعمته عليهم لما نصرهم ببدر  وهم أذلة ، ثم عاد إلى قصة أحد  ، وأخبر عن قول رسوله لهم : ( ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين   ) ، ثم وعدهم أنهم إن صبروا واتقوا ، أمدهم بخمسة آلاف ، فهذا من قول رسوله ، والإمداد الذي ببدر  من قوله تعالى ، وهذا بخمسة آلاف ، وإمداد بدر  بألف ، وهذا معلق على شرط ، وذلك مطلق ، والقصة في ( سورة آل عمران ) هي قصة أحد  مستوفاة مطولة ، وبدر ذكرت فيها اعتراضا ، والقصة في سورة الأنفال قصة بدر  مستوفاة مطولة ، فالسياق في ( آل عمران ) غير السياق في الأنفال . 
يوضح هذا أن قوله : ( ويأتوكم من فورهم هذا   ) [ آل عمران : 125 ] قد قال مجاهد   : إنه يوم أحد  ، وهذا يستلزم أن يكون الإمداد المذكور فيه ،  [ ص: 160 ] فلا يصح قوله : إن الإمداد بهذا العدد كان يوم بدر  ، وإتيانهم من فورهم هذا يوم أحد   . والله أعلم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					