[ ص: 224 ] فصل ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه غزوة ذات الرقاع  ، وهي غزوة نجد ، فخرج في جمادى الأولى من السنة الرابعة ، وقيل : في المحرم يريد محارب  وبني ثعلبة بن سعد بن غطفان  ، واستعمل على المدينة   أبا ذر الغفاري  ، وقيل :  عثمان بن عفان  ، وخرج في أربعمائة من أصحابه . وقيل سبعمائة ، فلقي جمعا من غطفان  ، فتواقفوا ، ولم يكن بينهم قتال إلا أنه صلى بهم يومئذ صلاة الخوف ، هكذا قال  ابن إسحاق  وجماعة من أهل السير والمغازي في تاريخ هذه الغزاة ، وصلاة الخوف بها ، وتلقاه الناس عنهم وهو مشكل جدا ، فإنه قد صح ( أن المشركين حبسوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق  عن صلاة العصر حتى غابت الشمس  ) . 
وفي " السنن " و " مسند أحمد   " ،  والشافعي  رحمهما الله ( أنهم حبسوه عن  [ ص: 225 ] صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء فصلاهن جميعا  ) . 
وذلك قبل نزول صلاة الخوف ، والخندق  بعد ذات الرقاع سنة خمس . 
والظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم أول صلاة صلاها للخوف بعسفان  كما قال أبو عياش الزرقي   : ( كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بعسفان  ، فصلى بنا الظهر ، وعلى المشركين يومئذ  خالد بن الوليد  ، فقالوا : لقد أصبنا منهم غفلة ، ثم قالوا : إن لهم صلاة بعد هذه هي أحب إليهم من أموالهم وأبنائهم ، فنزلت صلاة الخوف بين الظهر والعصر ، فصلى بنا العصر ، ففرقنا فرقتين  ) ، وذكر الحديث ، رواه أحمد  وأهل السنن . 
وقال  أبو هريرة   : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نازلا بين ضجنان  وعسفان  محاصرا للمشركين ، فقال المشركون : إن لهؤلاء صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم وأموالهم ، أجمعوا أمركم ، ثم ميلوا عليهم ميلة واحدة ، فجاء جبريل ، فأمره أن يقسم أصحابه نصفين  ) وذكر الحديث ، قال  الترمذي   : حديث حسن صحيح . 
ولا خلاف بينهم أن غزوة عسفان  كانت بعد الخندق  ، وقد صح عنه أنه صلى صلاة الخوف بذات الرقاع ، فعلم أنها بعد الخندق  وبعد عسفان  ، ويؤيد هذا أن  أبا هريرة   وأبا موسى الأشعري  شهدا ذات الرقاع كما في " الصحيحين " عن  [ ص: 226 ] أبي موسى أنه شهد غزوة ذات الرقاع ، وأنهم كانوا يلفون على أرجلهم الخرق لما نقبت . 
وأما  أبو هريرة  ففي " المسند " و " السنن " أن  مروان بن الحكم  سأله : هل صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف ؟ قال : نعم ، قال : متى ؟ قال : عام غزوة نجد . 
وهذا يدل على أن غزوة ذات الرقاع بعد خيبر  ، وأن من جعلها قبل الخندق  فقد وهم وهما ظاهرا ، ولما لم يفطن بعضهم لهذا ادعى أن غزوة ذات الرقاع كانت مرتين ، فمرة قبل الخندق  ، ومرة بعدها على عادتهم في تعديد الوقائع إذا اختلفت ألفاظها أو تاريخها ، ولو صح لهذا القائل ما ذكره ، ولا يصح لم يمكن أن يكون قد صلى بهم صلاة الخوف في المرة الأولى لما تقدم من قصة عسفان  ، وكونها بعد الخندق  ، ولهم أن يجيبوا عن هذا بأن تأخير يوم الخندق  جائز غير منسوخ ، وأن في حال المسايفة يجوز تأخير الصلاة إلى أن يتمكن من فعلها ، وهذا أحد القولين في مذهب أحمد   - رحمه الله - وغيره ، لكن لا حيلة لهم في قصة عسفان  أن أول صلاة صلاها للخوف بها ، وأنها بعد الخندق   . فالصواب تحويل غزوة ذات الرقاع من هذا الموضع إلى ما بعد الخندق  بل بعد خيبر  ، وإنما ذكرناها هاهنا تقليدا لأهل المغازي والسير ، ثم تبين لنا وهمهم ، وبالله التوفيق . 
ومما يدل على أن غزوة ذات الرقاع بعد الخندق  ما رواه  مسلم  في " صحيحه " عن جابر  قال : ( أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى إذا كنا بذات الرقاع قال : كنا إذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاء رجل من  [ ص: 227 ] المشركين ، وسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم معلق بالشجرة ، فأخذ السيف ، فاخترطه ، فذكر القصة ، وقال : فنودي بالصلاة ، فصلى بطائفة ركعتين ، ثم تأخروا ، وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين ، فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ركعات ، وللقوم ركعتان  ) . 
وصلاة الخوف إنما شرعت بعد الخندق  بل هذا يدل على أنها بعد عسفان  ، والله أعلم . 
وقد ذكروا أن قصة بيع جابر  جمله من النبي صلى الله عليه وسلم كانت في غزوة ذات الرقاع . وقيل : في مرجعه من تبوك  ، ولكن في إخباره للنبي صلى الله عليه وسلم في تلك القضية أنه تزوج امرأة ثيبا تقوم على أخواته ، وتكفلهن إشعار بأنه بادر إلى ذلك بعد مقتل أبيه ، ولم يؤخر إلى عام تبوك  ، والله أعلم . 
وفي مرجعهم من غزوة ذات الرقاع سبوا امرأة من المشركين ، فنذر زوجها ألا يرجع حتى يهريق دما في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، فجاء ليلا ، وقد أرصد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين ربيئة للمسلمين من العدو ، وهما  عباد بن بشر  ،  وعمار بن ياسر  ، فضرب عبادا وهو قائم يصلي بسهم ، فنزعه ولم يبطل صلاته حتى رشقه بثلاثة أسهم ، فلم ينصرف منها حتى سلم ، فأيقظ صاحبه ، فقال : سبحان  [ ص: 228 ] الله ، هلا أنبهتني ؟ فقال إني كنت في سورة ، فكرهت أن أقطعها . 
وقال  موسى بن عقبة  في " مغازيه " : ولا يدرى متى كانت هذه الغزوة قبل بدر  أو بعدها ، أو فيما بين بدر  وأحد  أو بعد أحد   . 
ولقد أبعد جدا إذ جوز أن تكون قبل بدر  ، وهذا ظاهر الإحالة ، ولا قبل أحد  ، ولا قبل الخندق  كما تقدم بيانه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					