فصل في غزوة المريسيع   
وكانت في شعبان سنة خمس ، وسببها : أنه لما بلغه صلى الله عليه وسلم أن  الحارث بن  [ ص: 230 ] أبي ضرار  سيد بني المصطلق  سار في قومه ، ومن قدر عليه من العرب يريدون حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبعث  بريدة بن الحصيب الأسلمي  يعلم له ذلك ، فأتاهم ولقي  الحارث بن أبي ضرار  ، وكلمه ورجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره خبرهم ، فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس ، فأسرعوا في الخروج ، وخرج معهم جماعة من المنافقين لم يخرجوا في غزاة قبلها ، واستعمل على المدينة   زيد بن حارثة  ، وقيل : أبا ذر  ، وقيل : نميلة بن عبد الله الليثي  ، وخرج يوم الاثنين لليلتين خلتا من شعبان ، وبلغ  الحارث بن أبي ضرار  ، ومن معه مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتله عينه الذي كان وجهه ليأتيه بخبره ، وخبر المسلمين ، فخافوا خوفا شديدا ، وتفرق عنهم من كان معهم من العرب ، وانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المريسيع  ، وهو مكان الماء ، فضرب عليه قبته ، ومعه  عائشة   وأم سلمة  ، فتهيئوا للقتال ، وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه ، وراية المهاجرين مع  أبي بكر الصديق  ، وراية الأنصار مع  سعد بن عبادة  ، فتراموا بالنبل ساعة ، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه ، فحملوا حملة رجل واحد ، فكانت النصرة ، وانهزم المشركون ، وقتل من قتل منهم ، وسبى رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء والذراري والنعم والشاء ، ولم يقتل من المسلمين إلا رجل واحد ، هكذا قال  عبد المؤمن بن خلف  في " سيرته " وغيره ، وهو وهم ، فإنه لم يكن بينهم قتال ، وإنما أغار عليهم على الماء ، فسبى ذراريهم وأموالهم كما في  [ ص: 231 ]  " الصحيح : ( أغار رسول الله صلى الله عليه وسلم على بني المصطلق  وهم غارون  ) ، وذكر الحديث . . . " . 
وكان من جملة السبي  جويرية بنت الحارث  سيد القوم ، وقعت في سهم  ثابت بن قيس  ، فكاتبها ، فأدى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوجها ، فأعتق المسلمون بسبب هذا التزويج مائة أهل بيت من بني المصطلق  قد أسلموا ، وقالوا : أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم . 
قال ابن سعد   : وفي هذه الغزوة سقط عقد  لعائشة  فاحتبسوا على طلبه ، فنزلت آية التيمم . 
وذكر  الطبراني  في " معجمه " من حديث محمد بن إسحاق  عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير  عن أبيه عن  عائشة  قالت : ( ولما كان من أمر عقدي ما كان ، قال أهل الإفك ما قالوا ، فخرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة أخرى ، فسقط أيضا عقدي حتى حبس التماسه الناس ، ولقيت من أبي بكر  ما شاء الله ، وقال لي : يا بنية في كل سفر تكونين عناء وبلاء ، وليس مع الناس ماء ، فأنزل الله الرخصة في التيمم  ) ، وهذا يدل على أن قصة العقد التي نزل التيمم لأجلها بعد  [ ص: 232 ] هذه الغزوة ، وهو الظاهر ، ولكن فيها كانت قصة الإفك بسبب فقد العقد والتماسه ، فالتبس على بعضهم إحدى القصتين بالأخرى ، ونحن نشير إلى قصة الإفك . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					