فصل 
ولم تحرم المتعة يوم خيبر  ، وإنما كان تحريمها عام الفتح ، هذا هو الصواب ، وقد ظن طائفة من أهل العلم أنه حرمها يوم خيبر  ، واحتجوا بما في " الصحيحين " من حديث  علي بن أبي طالب  رضي الله عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( نهى عن متعة النساء  يوم خيبر  ، وعن أكل لحوم الحمر الإنسية   ) . 
وفي " الصحيحين " أيضا : ( أن عليا  رضي الله عنه سمع  ابن عباس  يلين في متعة النساء ، فقال : مهلا يا  ابن عباس  ؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها يوم خيبر  ، وعن لحوم الحمر الإنسية  ) . وفي لفظ  للبخاري  عنه ، ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر  وعن أكل لحوم الحمر الإنسية  ) . 
 [ ص: 305 ] ولما رأى هؤلاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أباحها عام الفتح ثم حرمها قالوا : حرمت ثم أبيحت ثم حرمت . 
قال  الشافعي   : لا أعلم شيئا حرم ثم أبيح ثم حرم إلا المتعة ، قالوا : نسخت مرتين . وخالفهم في ذلك آخرون ، وقالوا : لم تحرم إلا عام الفتح ، وقبل ذلك كانت مباحة . قالوا : وإنما جمع  علي بن أبي طالب  رضي الله عنه بين الإخبار بتحريمها وتحريم الحمر الأهلية ؛ لأن  ابن عباس  كان يبيحهما ، فروى له علي  تحريمهما عن النبي صلى الله عليه وسلم ردا عليه ، وكان تحريم الحمر يوم خيبر  بلا شك ، وقد ذكر يوم خيبر  ظرفا لتحريم الحمر ، وأطلق تحريم المتعة ولم يقيده بزمن ، كما جاء ذلك في " مسند  الإمام أحمد   " بإسناد صحيح ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( حرم لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر  وحرم متعة النساء  ) ، وفي لفظ : ( حرم متعة النساء وحرم لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر    ) ، هكذا رواه  سفيان بن عيينة  مفصلا مميزا ، فظن بعض الرواة أن يوم خيبر  زمن للتحريمين فقيدهما به ، ثم جاء بعضهم فاقتصر على أحد المحرمين وهو تحريم الحمر ، وقيده بالظرف ، فمن ها هنا نشأ الوهم . 
وقصة خيبر  لم يكن فيها الصحابة يتمتعون باليهوديات ، ولا استأذنوا في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا نقله أحد قط في هذه الغزوة ، ولا كان للمتعة فيها ذكر البتة ، لا فعلا ولا تحريما ، بخلاف غزاة الفتح ؛ فإن قصة المتعة كانت فيها فعلا وتحريما مشهورة ، وهذه الطريقة أصح الطريقتين . 
وفيها طريقة ثالثة ، وهي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحرمها تحريما عاما البتة ، بل حرمها عند الاستغناء عنها ، وأباحها عند الحاجة إليها ، وهذه كانت طريقة  ابن عباس  حتى كان يفتي بها ويقول : ( هي كالميتة والدم ولحم الخنزير ، تباح عند الضرورة وخشية العنت  ) ، فلم يفهم عنه أكثر الناس ذلك وظنوا أنه أباحها إباحة مطلقة ، وشببوا في ذلك بالأشعار ، فلما رأى  ابن عباس  ذلك رجع إلى القول بالتحريم . 
				
						
						
