فصل 
ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر  إلى وادي القرى   ، وكان بها جماعة من  [ ص: 314 ] اليهود  ، وقد انضاف إليهم جماعة من العرب ، فلما نزلوا استقبلهم يهود بالرمي وهم على غير تعبئة ، فقتل مدعم  عبد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال الناس : هنيئا له الجنة . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( كلا والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر  من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا ) ، فلما سمع بذلك الناس جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بشراك أو شراكين ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( شراك من نار أو شراكان من نار )  . 
فعبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه للقتال وصفهم ودفع لواءه إلى  سعد بن عبادة  وراية إلى الحباب بن المنذر  ، وراية إلى  سهل بن حنيف  ، وراية إلى  عباد بن بشر  ، ثم دعاهم إلى الإسلام ، وأخبرهم أنهم إن أسلموا أحرزوا أموالهم وحقنوا دماءهم ، وحسابهم على الله ، فبرز رجل منهم فبرز إليه  الزبير بن العوام  فقتله ، ثم برز آخر فقتله ، ثم برز آخر فبرز إليه  علي بن أبي طالب  رضي الله عنه فقتله ، حتى قتل منهم أحد عشر رجلا ، كلما قتل منهم رجل دعا من بقي إلى الإسلام ، وكانت الصلاة تحضر ذلك اليوم ، فيصلي بأصحابه ثم يعود فيدعوهم إلى الإسلام ، وإلى الله ورسوله ، فقاتلهم حتى أمسوا وغدا عليهم فلم ترتفع الشمس قيد رمح حتى أعطوا ما بأيديهم وفتحها عنوة وغنمه الله أموالهم ، وأصابوا أثاثا ومتاعا كثيرا ، وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادي القرى  أربعة أيام ، وقسم ما أصاب على أصحابه بوادي القرى  ، وترك الأرض والنخل بأيدي اليهود  ، وعاملهم عليها ، فلما بلغ يهود تيماء ما واطأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر  وفدك  ووادي القرى  ، صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقاموا بأموالهم ، فلما كان زمن  عمر بن الخطاب  رضي الله عنه أخرج يهود خيبر  وفدك  ولم يخرج أهل تيماء   . 
 [ ص: 315 ] ووادي القرى  ؛ لأنهما داخلتان في أرض الشام  ويرى أن ما دون وادي القرى  إلى المدينة  حجاز ، وأن ما وراء ذلك من الشام  ، وانصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - راجعا إلى المدينة   . 
فلما كان ببعض الطريق سار ليله حتى إذا كان ببعض الطريق أدركهم الكرى ، عرس ، وقال  لبلال   : "اكلأ لنا الليل " [ فصلى بلال  ما قدر له ونام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ، فلما تقارب الفجر استند بلال  إلى راحلته مواجه الفجر ] ، فغلبت بلالا  عيناه ، وهو مستند إلى راحلته ، فلم يستيقظ النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا بلال  ، ولا أحد من أصحابه حتى ضربتهم الشمس ، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولهم استيقاظا ففزع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " أي بلال   " ؟ فقال أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك ، بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، فاقتادوا رواحلهم شيئا حتى خرجوا من ذلك الوادي ، ثم قال : " هذا واد به شيطان " ، فلما جاوزه أمرهم أن ينزلوا ، وأن يتوضئوا ، ثم صلى سنة الفجر ، ثم أمر بلالا  فأقام الصلاة ، وصلى بالناس ، ثم انصرف إليهم ، وقد رأى من فزعهم ، وقال : " يا أيها الناس إن الله قبض أرواحنا ولو شاء لردها إلينا في حين غير هذا ، فإذا رقد أحدكم عن الصلاة أو نسيها  ، ثم فزع إليها فليصلها كما كان يصليها في وقتها " ثم التفت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أبي بكر  فقال : " إن الشيطان أتى بلالا  وهو قائم يصلي فأضجعه فلم يزل يهدئه كما يهدأ الصبي حتى نام " ، ثم دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالا  فأخبره بمثل ما أخبر به أبا بكر   . 
وقد روي أن هذه القصة كانت في مرجعهم من الحديبية  ، وروي أنها كانت  [ ص: 316 ] في مرجعهم من غزوة تبوك  ، وقد روى قصة النوم عن صلاة الصبح  عمران بن حصين  ، ولم يوقت مدتها ، ولا ذكر في أي غزوة كانت ، وكذلك رواها  أبو قتادة  ، كلاهما في قصة طويلة محفوظة . 
وروى مالك  ، عن  زيد بن أسلم  ، أن ذلك كان بطريق مكة  ، وهذا مرسل . 
وقد روى شعبة  ، عن  جامع بن شداد  قال : سمعت عبد الرحمن بن أبي علقمة  ، قال : سمعت  عبد الله بن مسعود  ، قال : أقبلنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زمن الحديبية  ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " من يكلؤنا ؟ " فقال بلال   : أنا ، فذكر القصة . 
لكن قد اضطربت الرواة في هذه القصة ، فقال  عبد الرحمن بن مهدي  ، عن شعبة  ، عن جامع   : إن الحارس فيها كان  ابن مسعود  ، وقال  غندر  عنه : إن الحارس كان بلالا  ، واضطربت الرواية في تاريخها ، فقال  المعتمر بن سليمان  عن شعبة  عنه : إنها كانت في غزوة تبوك  ، وقال غيره عنه : إنها كانت في مرجعهم من الحديبية  ، فدل على وهم وقع فيها ، ورواية  الزهري  عن سعيد  سالمة من ذلك ، وبالله التوفيق . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					