ولا يغتر بالحديث الموضوع على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رواه  سويد بن سعيد  ، عن  علي بن مسهر  ، عن أبي يحيى القتات  ، عن مجاهد  ، عن  ابن عباس   - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم . ورواه عن  أبي مسهر  أيضا ، عن  هشام بن عروة  ، عن أبيه ، عن  عائشة  ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم ، ورواه  الزبير بن بكار  ، عن  عبد الملك بن عبد  [ ص: 253 ] العزيز بن الماجشون  ، عن  عبد العزيز بن أبي حازم  ، عن  ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد  ، عن  ابن عباس   - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( من عشق ، فعف فمات ، فهو شهيد   ) ، وفي رواية : ( من عشق وكتم وعف وصبر ، غفر الله له وأدخله الجنة  ) . 
فإن هذا الحديث لا يصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، ولا يجوز أن يكون من كلامه ، فإن الشهادة درجة عالية عند الله ، مقرونة بدرجة الصديقية ، ولها أعمال وأحوال ، هي شرط في حصولها ، وهي نوعان : عامة وخاصة ، فالخاصة : الشهادة في سبيل الله . 
والعامة خمس مذكورة في " الصحيح " ليس العشق واحدا منها . 
 [ ص: 254 ] وكيف يكون العشق الذي هو شرك في المحبة ، وفراغ القلب عن الله ، وتمليك القلب والروح ، والحب لغيره تنال به درجة الشهادة ، هذا من المحال ، فإن إفساد عشق الصور للقلب فوق كل إفساد ، بل هو خمر الروح الذي يسكرها ، ويصدها عن ذكر الله وحبه ، والتلذذ بمناجاته ، والأنس به ، ويوجب عبودية القلب لغيره ، فإن قلب العاشق متعبد لمعشوقه ، بل العشق لب العبودية ، فإنها كمال الذل والحب والخضوع والتعظيم ، فكيف يكون تعبد القلب لغير الله مما تنال به درجة أفاضل الموحدين وساداتهم ، وخواص الأولياء ، فلو كان إسناد هذا الحديث كالشمس ، كان غلطا ووهما ، ولا يحفظ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لفظ العشق في حديث صحيح البتة . 
ثم إن العشق منه حلال ، ومنه حرام ، فكيف يظن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يحكم على كل عاشق يكتم ويعف بأنه شهيد ، فترى من يعشق امرأة غيره ، أو يعشق المردان والبغايا ، ينال بعشقه درجة الشهداء ، وهل هذا إلا خلاف المعلوم من دينه - صلى الله عليه وسلم - بالضرورة ؟ كيف والعشق مرض من الأمراض التي جعل الله سبحانه لها الأدوية شرعا وقدرا ، والتداوي منه إما واجب إن كان عشقا حراما ، وإما مستحب . 
وأنت إذا تأملت الأمراض والآفات التي حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابها بالشهادة ، وجدتها من الأمراض التي لا علاج لها ، كالمطعون والمبطون ، والمجنوب والغريق ، وموت المرأة يقتلها ولدها في بطنها ، فإن هذه  [ ص: 255 ] بلايا من الله لا صنع للعبد فيها ، ولا علاج لها ، وليست أسبابها محرمة ، ولا يترتب عليها من فساد القلب وتعبده لغير الله ما يترتب على العشق ، فإن لم يكف هذا في إبطال نسبة هذا الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلد أئمة الحديث العالمين به وبعلله ، فإنه لا يحفظ عن إمام واحد منهم قط أنه شهد له بصحة ، بل ولا بحسن ، كيف وقد أنكروا على سويد  هذا الحديث ، ورموه لأجله بالعظائم ، واستحل بعضهم غزوه لأجله . 
قال  أبو أحمد بن عدي  في " كامله " : هذا الحديث أحد ما أنكر على سويد  ، وكذلك قال  البيهقي   : إنه مما أنكر عليه وكذلك قال  ابن طاهر  في " الذخيرة " وذكره الحاكم  في " تاريخ نيسابور   " وقال : أنا أتعجب من هذا الحديث ، فإنه لم يحدث به عن غير سويد  ، وهو ثقة ، وذكره  أبو الفرج بن الجوزي  في كتاب " الموضوعات " ، وكان أبو بكر الأزرق  يرفعه أولا عن سويد  ، فعوتب فيه ، فأسقط النبي صلى الله عليه وسلم وكان لا يجاوز به  ابن عباس  رضي الله عنهما . 
ومن المصائب التي لا تحتمل جعل هذا الحديث من حديث  هشام بن عروة  عن أبيه ، عن  عائشة  رضي الله عنها ، عن النبي صلى الله عليه وسلم . 
ومن له أدنى إلمام بالحديث وعلله ، لا يحتمل هذا البتة ، ولا يحتمل أن يكون من حديث الماجشون  عن ابن أبي حازم  ، عن  ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد  ، عن  ابن عباس  رضي الله عنهما مرفوعا ، وفي صحته موقوفا على  ابن عباس  نظر ، وقد رمى الناس  سويد بن سعيد  راوي هذا الحديث بالعظائم ، وأنكره عليه  يحيى بن معين  وقال : هو ساقط كذاب ، لو كان لي فرس ورمح كنت أغزوه ، وقال  الإمام أحمد   : متروك الحديث ، وقال  النسائي   : ليس بثقة وقال  البخاري   : كان قد عمي فيلقن ما ليس من حديثه ، وقال  ابن حبان   : يأتي بالمعضلات عن الثقات يجب مجانبة ما روى . انتهى . 
وأحسن ما قيل فيه قول  أبي حاتم الرازي   : إنه صدوق كثير التدليس ، ثم قول  الدارقطني   : هو ثقة غير أنه لما كبر كان ربما قرئ عليه حديث فيه بعض النكارة فيجيزه انتهى . 
وعيب على  مسلم   [ ص: 256 ] إخراج حديثه ، وهذه حاله ، ولكن  مسلم  روى من حديثه ما تابعه عليه غيره ، ولم ينفرد به ، ولم يكن منكرا ولا شاذا بخلاف هذا الحديث ، والله أعلم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					