فصل في حكمه صلى الله عليه وسلم على أهل الكتاب في الحدود  بحكم الإسلام 
ثبت في " الصحيحين " و " المسانيد " : أن اليهود  جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما تجدون في التوراة في شأن الرجم " ؟ قالوا : نفضحهم ويجلدون ، فقال  عبد الله بن سلام   : كذبتم إن فيها الرجم ، فأتوا بالتوراة ، فنشروها فوضع أحدهم يده على آية الرجم ، فقرأ ما قبلها وما بعدها ، فقال له  عبد الله بن سلام   : ارفع يدك ، فرفع يده ، فإذا فيها آية الرجم ، فقالوا : صدق يا محمد  ، إن فيها الرجم ، فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما  . 
فتضمنت هذه الحكومة أن الإسلام ليس بشرط في الإحصان  ، وأن الذمي يحصن الذمية ، وإلى هذا ذهب أحمد   والشافعي  ، ومن لم يقل بذلك اختلفوا في  [ ص: 33 ] وجه هذا الحديث ، فقال مالك  في غير " الموطأ " : لم يكن اليهود  بأهل ذمة . والذي في " صحيح  البخاري   " : أنهم أهل ذمة ، ولا شك أن هذا كان بعد العهد الذي وقع بين النبي صلى الله عليه وسلم وبينهم ، ولم يكونوا إذ ذاك حربا ، كيف وقد تحاكموا إليه ، ورضوا بحكمه ؟ وفي بعض طرق الحديث : أنهم قالوا : اذهبوا بنا إلى هذا النبي فإنه بعث بالتخفيف ، وفي بعض طرقه : أنهم دعوه إلى بيت مدراسهم ، فأتاهم وحكم بينهم ، فهم كانوا أهل عهد وصلح بلا شك . 
وقالت طائفة أخرى : إنما رجمهما بحكم التوراة . قالوا : وسياق القصة صريح في ذلك ، وهذا مما لا يجدي عليهم شيئا البتة ، فإنه حكم بينهم بالحق المحض ، فيجب اتباعه بكل حال ، فماذا بعد الحق إلا الضلال . 
وقالت طائفة : رجمهما سياسة ، وهذا من أقبح الأقوال ، بل رجمهما بحكم الله الذي لا حكم سواه . 
وتضمنت هذه الحكومة أن أهل الذمة إذا تحاكموا إلينا  لا نحكم بينهم إلا بحكم الإسلام . 
وتضمنت قبول شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض  لأن الزانيين لم يقرا ، ولم يشهد عليهما المسلمون ، فإنهم لم يحضروا زناهما ، كيف وفي " السنن " في هذه القصة : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشهود ، فجاءوا أربعة ، فشهدوا أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة  . 
 [ ص: 34 ] وفي بعض طرق هذا الحديث : فجاء أربعة منهم ، وفي بعضها : فقال لليهود   : ائتوني بأربعة منكم  . 
وتضمنت الاكتفاء بالرجم ، وأن لا يجمع بينه وبين الجلد  ، قال  ابن عباس   : الرجم في كتاب الله لا يغوص عليه إلا غواص ، وهو قوله تعالى : ( ياأهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب   ) [ المائدة : 15 ] ، واستنبطه غيره من قوله : ( إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا   ) [ المائدة : 44 ] . 
قال  الزهري  في حديثه : فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم ( إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا   ) ، كان النبي صلى الله عليه وسلم منهم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					