[ ص: 49 ] فصل 
وقد تضمنت هذه الأقضية أمورا : 
أحدها : أنه لا يقطع في أقل من ثلاثة دراهم ، أو ربع دينار   . 
الثاني : جواز لعن أصحاب الكبائر  بأنواعهم دون أعيانهم ، كما لعن السارق ، ولعن آكل الربا وموكله ، ولعن شارب الخمر وعاصرها ، ولعن من عمل عمل قوم لوط ، ونهى عن لعن عبد الله حمار  وقد شرب الخمر ، ولا تعارض بين الأمرين ، فإن الوصف الذي علق عليه اللعن مقتض . وأما المعين ، فقد يقوم به ما يمنع لحوق اللعن به من حسنات ماحية ، أو توبة ، أو مصائب مكفرة ، أو عفو من الله عنه ، فتلعن الأنواع دون الأعيان . 
الثالث : الإشارة إلى سد الذرائع ، فإنه أخبر أن سرقة الحبل والبيضة لا تدعه حتى تقطع يده . 
الرابع : قطع جاحد العارية  ، وهو سارق شرعا كما تقدم . 
الخامس : أن من سرق مالا قطع فيه ، ضوعف عليه الغرم ، وقد نص عليه الإمام أحمد   - رحمه الله - ، فقال : كل من سقط عنه القطع ، ضوعف عليه الغرم ، وقد تقدم الحكم النبوي به في صورتين : سرقة الثمار المعلقة ، والشاة من المرتع . 
 [ ص: 50 ] السادس : اجتماع التعزير مع الغرم  ، وفي ذلك الجمع بين العقوبتين : مالية وبدنية . 
السابع : اعتبار الحرز ، فإنه صلى الله عليه وسلم أسقط القطع عن سارق الثمار من الشجرة  ، وأوجبه على سارقه من الجرين ، وعند  أبي حنيفة  أن هذا لنقصان ماليته ، لإسراع الفساد إليه ، وجعل هذا أصلا في كل ما نقصت ماليته بإسراع الفساد إليه . وقول الجمهور أصح ، فإنه صلى الله عليه وسلم جعل له ثلاثة أحوال : حالة لا شيء فيها ، وهو ما إذا أكل منه بفيه ، وحالة يغرم مثليه ، ويضرب من غير قطع ، وهو ما إذا أخذه من شجره وأخرجه ، وحالة يقطع فيها ، وهو ما إذا سرقه من بيدره سواء كان قد انتهى جفافه أو لم ينته ، فالعبرة للمكان والحرز لا ليبسه ورطوبته ، ويدل عليه أنه صلى الله عليه وسلم أسقط القطع عن سارق الشاة من مرعاها  ، وأوجبه على سارقها من عطنها فإنه حرزها . 
الثامن : إثبات العقوبات المالية ، وفيه عدة سنن ثابتة لا معارض لها ، وقد عمل بها الخلفاء الراشدون وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم ، وأكثر من عمل بها عمر  رضي الله عنه . 
التاسع : أن الإنسان حرز لثيابه ولفراشه الذي هو نائم عليه أين كان ، سواء كان في المسجد أو في غيره . 
العاشر : أن المسجد حرز لما يعتاد وضعه فيه  ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قطع من سرق منه ترسا ، وعلى هذا فيقطع من سرق من حصيره وقناديله وبسطه ، وهو أحد القولين في مذهب أحمد  وغيره . ومن لم يقطعه ، قال : له فيها حق ، فإن لم يكن فيها حق ، قطع كالذمي . 
الحادي عشر : أن المطالبة في المسروق شرط في القطع  ، فلو وهبه إياه ، أو باعه قبل رفعه إلى الإمام ، سقط عنه القطع ، كما صرح به النبي صلى الله عليه وسلم وقال :  [ ص: 51 ] هلا كان قبل أن تأتيني به  . 
الثاني عشر : أن ذلك لا يسقط القطع بعد رفعه إلى الإمام ، وكذلك كل حد بلغ الإمام ، وثبت عنده لا يجوز إسقاطه  ، وفي " السنن " : عنه : إذا بلغت الحدود الإمام ، فلعن الله الشافع والمشفع  . 
الثالث عشر : أن من سرق من شيء له فيه حق  لم يقطع . 
الرابع عشر : أنه لا يقطع إلا بالإقرار مرتين ، أو بشهادة شاهدين  ، لأن السارق أقر عنده مرة ، فقال : " ما إخالك سرقت " ؟ فقال : بلى ، فقطعه حينئذ ، ولم يقطعه حتى أعاد عليه مرتين . 
الخامس عشر : التعريض للسارق بعدم الإقرار ، وبالرجوع عنه  ، وليس هذا حكم كل سارق ، بل من السراق من يقر بالعقوبة والتهديد ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى . 
السادس عشر : أنه يجب على الإمام حسمه بعد القطع لئلا يتلف . وفي قوله : " احسموه " دليل على أن مؤنة الحسم ليست على السارق . 
السابع عشر : تعليق يد السارق في عنقه  تنكيلا له وبه ليراه غيره . 
الثامن عشر : ضرب المتهم  إذا ظهر منه أمارات الريبة ، وقد عاقب النبي صلى الله عليه وسلم في تهمة ، وحبس في تهمة . 
 [ ص: 52 ] التاسع عشر : وجوب تخلية المتهم إذا لم يظهر عنده شيء مما اتهم به  ، وأن المتهم إذا رضي بضرب المتهم ، فإن خرج ماله عنده ، وإلا ضرب هو مثل ضرب من اتهمه إن أجيب إلى ذلك ، وهذا كله مع أمارات الريبة ، كما قضى به  النعمان بن بشير  رضي الله عنه ، وأخبر أنه قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم . 
العشرون : ثبوت القصاص في الضربة بالسوط والعصا  ونحوهما . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					