فصل 
واختلفوا في صوم يوم الغيم    . وهو ما إذا حال دون مطلع الهلال غيم أو قتر ليلة الثلاثين من شعبان . 
فقال قوم : يجب صومه بنية من رمضان احتياطا ، وهذه الرواية عن  أحمد     : هي التي اختارها أكثر متأخري أصحابه ، وحكوها عن أكثر متقدميهم ، بناء على ما تأولوه من الحديث ، وبناء على أن الغالب على شعبان هو النقص ، فيكون الأظهر طلوع الهلال كما هو الغالب ، فيجب بغالب الظن . 
وقالت طائفة : لا يجوز صومه من رمضان . وهذه رواية عن  أحمد  ، اختارها طائفة من أصحابه  كابن عقيل  والحلواني  ، وهو قول   أبي حنيفة  ومالك   والشافعي  ، استدلالا بما جاء من الأحاديث ، وبناء على أن الوجوب لا يثبت بالشك . 
وهناك قول ثالث : وهو أنه يجوز صومه من رمضان ، ويجوز فطره والأفضل صومه من وقت الفجر . ومعلوم أنه لو عرف وقت   [ ص: 139 ] الفجر الذي [يجوز طلوعه ] جاز له الإمساك والأكل ، وإن أمسك وقت الفجر فإنه لا معنى لاستحباب الإمساك ، لكن [ لو شك في طلوع النهار وجب عليه الإمساك ] . 
وأكثر نصوص  أحمد  إنما تدل على هذا القول ، وأنه كان يستحب صومه ويفعله لا أنه يوجبه ، وإنما أخذ في ذلك بما نقله عن الصحابة في مسائل ابنه  عبد الله  والفضل بن زياد القطان  وغيرهم ، أخذ بما نقله عن   عبد الله بن عمر  ونحوه . والمنقول عنهم : أنهم كانوا يصومون في حال الغيم ، لا يوجبون الصوم ، وكان غالب الناس لا يصومون ، ولم ينكروا عليهم الترك . 
وإنما لم يستحب الصوم في الصحو ، بل نهى عنه : لأن الأصل والظاهر عدم الهلال ، فصومه تقديم لرمضان بيوم ، وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك . 
واختلفت الرواية عنه : هل يسمى يوم الغيم يوم شك  ؟ على روايتين ، وكذلك اختلف أصحابه في ذلك . 
وأما يوم الصحو عنده : فيوم شك أو يقين من شعبان ينهى عن صومه بلا توقف . وأصول الشريعة أدل على هذا القول منها على غيره ، فإن المشكوك في وجوبه - كما لو شك في وجوب زكاة ، أو كفارة ، أو صلاة ، أو غير ذلك - لا يجب فعله ولا يستحب تركه ، بل يستحب فعله احتياطا . 
 [ ص: 140 ] فلم تحرم أصول الشريعة الاحتياط ، ولم توجب بمجرد الشك . 
وأيضا : فإن أول الشهر كأول النهار ، ولو شك في طلوع النهار لم يجب عليه الإمساك ، ولم يحرم عليه الإمساك بقصد الصوم ، ولأن الإغمام أول الشهر كالإغمام بالشك ، بل ينهى عن صوم يوم الشك  ، لما يخاف من الزيادة في الفرض . 
وعلى هذا القول : يجتمع غالب المأثور عن الصحابة في هذا الباب . فإن الجماعات الذين صاموا منهم -  كعمر  ،  وعلي  ،  ومعاوية  ، وغيرهم - لم يصرحوا بالوجوب ، وغالب الذين أفطروا لم يصرحوا بالتحريم . 
ولعل من كره الصوم منهم إنما كرهه لمن يعتقد وجوبه ، خشية إيجاب ما ليس بواجب . كما كره من كره منهم الاستنجاء بالماء لمن خيف عليه أن يعتقد وجوبه ، وكما أمر طائفة منهم من صام في السفر  أن يقضي لما ظنوه ( به ) من كراهة الفطر في السفر  ، فتكون الكراهة عائدة إلى حال الفاعل ، لا إلى نفس الاحتياط بالصوم . فإن تحريم الصوم أو إيجابه كليهما فيه بعد عن أصول الشريعة . والأحاديث المأثورة في الباب إذا تؤملت إنما يصرح غالبها بوجوب الصوم بعد إكمال العدة ، كما دل بعضها على الفعل قبل الإكمال . أما الإيجاب قبل الإكمال للصوم ففيها نظر . 
فهذا القول المتوسط هو الذي يدل عليه غالب نصوص  أحمد     . 
ولو قيل بجواز الأمرين واستحباب الفطر لكان ( أولى من القول ) بالتحريم أو الإيجاب ، ( والذي ) يؤثر عن  الصديق     (  وابن عمر  رضي الله عنهما ) أنهم كانوا يأكلون مع الشك في طلوع الفجر ، ولكن ( لا يجوز الأكل إذا شك في غروب الشمس    ) . 
				
						
						
