الآفة الثالثة عشرة : الوعد الكاذب    : 
فإن اللسان سباق إلى الوعد ، ثم النفس ربما لا تسمح بالوفاء ، فيصير الوعد خلفا ، وذلك من أمارات النفاق ، قال الله تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود    ) [ المائدة : 1 ] وقال - صلى الله عليه وسلم - : " العدة عطية   " وقد أثنى الله تعالى على نبيه إسماعيل  عليه السلام في كتابه العزيز ، فقال : ( إنه كان صادق الوعد    ) [ مريم : 54 ] . ولما حضرت "   عبد الله بن عمر     " الوفاة قال : " إنه كان خطب إلي ابنتي رجل من قريش  ، وقد كان مني إليه شبه الوعد ، فوالله لا ألقى الله بثلث النفاق ، أشهدكم أني قد زوجته ابنتي "   . 
وعن "  عبد الله بن أبي الخنساء     " قال : " بايعت النبي - صلى الله عليه وسلم - قبيل أن يبعث ، وبقيت له بقية ، فواعدته أن آتيه بها في مكانه ذلك ، فنسيت يومي والغد ، فأتيته اليوم الثالث وهو في مكانه ، فقال : " يا فتى لقد شققت علي ، أنا هاهنا منذ ثلاث أنتظرك "   . 
وكان "  ابن مسعود     " لا يعد وعدا إلا ويقول : " إن شاء الله " ، وهو الأولى ، ثم إذا فهم مع ذلك الجزم في الوعد فلا بد من الوفاء إلا أن يتعذر ، فإن كان عند الوعد عازما على أن لا يفي فهذا هو النفاق ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ثلاث من كن فيه فهو منافق ، وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان   " وقال - صلى الله عليه وسلم - : " أربع من كن فيه كان منافقا ، ومن كانت فيه خلة منهن كان فيه خلة من النفاق حتى يدعها : إذا حدث كذب ، وإذا وعد   [ ص: 195 ] أخلف ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر   " . 
وهذا ينزل على من إذا وعد وهو عزم الخلف  أو ترك الوفاء من غير عذر ، فأما من عزم على الوفاء فعن له عذر منعه من الوفاء  ، لم يكن منافقا ، وإن جرى عليه ما هو صورة النفاق ، ولكن ينبغي أن يحترز من صورة النفاق أيضا كما يحترز من حقيقته ، ولا ينبغي أن يجعل نفسه معذورا من غير ضرورة ، فقد روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان وعد "  أبا الهيثم     "خادما ، فأتي بثلاث من السبي ، فأعطى اثنين وبقي واحد ، فأتت  فاطمة  رضي الله عنها تطلب منه خادما وتقول : " ألا ترى أثر الرحى بيدي " ؟ فذكر موعده "  لأبي الهيثم     " فجعل يقول : " كيف بموعدي  لأبي الهيثم     " فآثره على "  فاطمة     " لما كان قد سبق من موعده له ، مع أنها كانت تدير الرحى بيدها الضعيفة . ولقد كان - صلى الله عليه وسلم - جالسا يقسم غنائم هوازن  بحنين  ، فوقف عليه رجل من الناس فقال : " إن لي عندك موعدا يا رسول الله " قال : " صدقت فاحتكم ما شئت " فقال : " أحتكم ثمانين ضائنة وراعيها " قال : " هي لك " وقال : " احتكمت يسيرا "   . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					