حدثنا محمد بن إسحاق  ، ثنا إبراهيم  ، ثنا مسبح بن حاتم العكلي  ، ثنا الوليد بن عمرو الجدعاني  ، قال : اجتمع الناس عند  سفيان بن عيينة  بمكة  ، فقال لرجل : حدث الناس بحديث الحية . فقال : خرج رجل يتصيد ، فخرجت حية من بين قوائم شعب دابته ، فقامت على ذنبها ثم قالت : أجرني أجارك الله . قال لها : فمن أنت ؟ قالت : من أهل شهادة أن لا إله إلا الله . قال : وممن أجيرك ؟ قالت : من هذا الذي خلفك ، إن قدر علي قطعني إربا إربا . قال : وأين أخبئك ؟ قالت : في بطنك . ففتح فاه ، فدخلت في بطنه ، فإذا رجل قد أقبل ، على عنقه حديدة ، فقال : يا عبد الله ، حية خرجت من قوائم دابتك ؟ قال : ما رأيت شيئا . قال : ما أعجب ما تقول ! قال : ما رأيت شيئا . فولى الرجل ، فقالت له : ترى شخصه ؟ ترى سواده ؟ قال لها : لا . قالت : فاختر مني خصلة من اثنين ؛ إما أن أثقب فؤادك فأقتلك ، أو أفتت كبدك . قال : ما كافأتيني . قالت : ولم تصنع المعروف إلى من لا تعرف  ؟ أما علمت بعداوتي لأبيك قبل ؟ قال : فجاء الرجل إلى سفح جبل ، فإذا هو برجل قائم لم ير شيء أحسن منه ، ولا أطيب رائحة منه ، ولا أنظف ثوبا ، فقال : ما لي أراك هكذا ؟ فحدثه بحديث الحية . فدفع إليه شيئا ، فقال : كل هذا . فأكله فاختلجت شفتاه ، ثم دفع إليه شيئا آخر فقال : كل هذا . فأكله فرمى بها قطعا ، فقال : من أنت يرحمك الله ؟ قال : أنا المعروف . ثم غاب عن بصره . 
 [ ص: 293 ] حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد أبو طاهر  ، ثنا أبو نصر محمد بن الحجاج السلمي المقرئ  بالرافقة  ، ثنا أحمد بن العلاء أخو هلال  ، ثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني  ، قال : كنت في مجلس  سفيان بن عيينة  ، وكان في مجلسه ألف رجل ، يزيدون أو ينقصون ، فالتفت في آخر مجلسه إلى رجل كان عن يمينه ، فقال : قم فحدث الناس بحديث الحية ، فقال الرجل : أسندوني . فأسندناه ، وسالت جفون عينيه ، ثم قال : ألا فاسمعوا وعوا ، حدثني أبي ، عن جدي ، أن رجلا كان يعرف بمحمد بن حمير  ، وكان رجلا معه ورع ، يصوم النهار ، ويقوم الليل ، وكان مبتلى بالقنص ، فخرج ذات يوم يتصيد ، إذ عرضت له حية ، فقالت له : يا  محمد بن حمير  ، أجرني أجارك الله ، قال لها  محمد بن حمير    : ممن ؟ قالت : من عدوي قد طلبني ، قال : وأين عدوك ؟ قالت له : من ورائي ولها . قال : من أي أمة أنت ؟ قالت : من أمة محمد  صلى الله عليه وسلم ، نشهد أن لا إله إلا الله . قال : ففتحت ردائي فقلت : ادخلي فيه . فقالت : يراني عدوي . قال : فشلت طمري فقلت : ادخلي بين أطماري وبطني . قالت : يراني عدوي . قلت لها : فما الذي أصنع بك ؟ قالت : إن أردت اصطناع المعروف فافتح لي فاك حتى أنساب فيه . قال : أخشى أن تقتليني . قالت : لا والله لا أقتلك ، الله شاهد علي بذلك وملائكته ، وأنبياؤه ، وحملة عرشه ، وسكان سماواته إن أنا قتلتك . قال محمد    : فاطمأننت إلى يمينها ، ففتحت فمي فانسابت فيه ، ثم مضيت إذ عارضني رجل ومعه صمصامة ، فقال : يا محمد    . قلت : ما تشاء ؟ قال : لقيت عدوي ؟ قلت : وما عدوك ؟ قال : حية . قلت : اللهم لا ، واستغفرت ربي من قولي : ( لا ) مائة مرة ، وقد علمت أين هي ، ثم مضيت أقول ذلك إذ قد أخرجت رأسها من فمي ، ثم قالت : انظر مضى هذا العدو ؟ فالتفت فلم أر إنسانا ، فقلت : ليس أرى إنسانا ، إن أردت أن تخرجي فاخرجي . قالت : انظر مليا . قال محمد    : فرميت حماليق عيني في الصحراء ، فلم أر شبحا ولا شخصا ولا إنسانا ، فقلت : إن أردت أن تخرجي فاخرجي ، فليس أرى إنسانا . قالت : الآن يا محمد  ، اختر واحدة من اثنتين . قلت : وما هي ؟ قالت : إما أن أنكت كبدك فأفتتها في جوفك ، أو أنكتك نكتة فأطرح جسدك بلا روح ،   [ ص: 294 ] قال : قلت : يا سبحان الله ، أين العهد الذي عهدت إلي ؟ أين العهد الذي عاهدتنيه واليمين الذي حلفت لي ؟ ما أسرع ما نسيتيه !! قالت له : يا محمد  ، لم نسيت العداوة التي كانت بيني وبين أبيك آدم  ، حيث أضللته وأخرجته من الجنة ؟ على أي شيء طلبت اصطناع المعروف ؟ قال : فقلت لها : وليس بد من أن تقتليني ؟ قالت : والله إن كان بد من قتلك . قال : قلت لها : فأمهليني حتى أصير إلى تحت هذا الجبل فأمهد لنفسي موضعا . قالت : شأنك . قال محمد    : فمضيت أريد الجبل وقد أيست من الحياة ، إذ رميت حماليق عيني نحو العرش ، ثم قلت : يا لطيف اللطف بلطفك الخفي ، يا لطيف بالقدرة التي استويت بها على عرشك ، فلم يعلم العرش أين مستقرك منه إلا كفيتنيها . ثم مشيت ، فعارضني رجل صالح صبيح الوجه ، طيب الرائحة ، نقي من الدرن ، فقال لي : سلام عليكم ، فقلت : وعليك السلام يا أخي ، قال : ما لي أراك قد تغير لونك ؟ فقلت : يا أخي ، من عدو قد ظلمني . قال : وأين عدوك ؟ قلت : في جوفي . قال لي : افتح فاك . ففتحت فمي ، فوضع فيه مثل ورقة زيتونة خضراء ، ثم قال : امضغ وابلع . فمضغت وبلعت . قال محمد    : فلم ألبث إلا يسيرا حتى مغصتني بطني ، فرميت بها من أسفل قطعة قطعة ، فتعلقت بالرجل ، ثم قلت : يا أخي ، أحمد الله الذي من علي بك . فضحك ثم قال : ألا تعرفني ؟ قلت : اللهم لا . قال : يا  محمد بن حمير  ، إنه لما كان بينك وبين الحية ما كان ، ودعوت بذلك الدعاء ضجت ملائكة السبع سماوات إلى الله عز وجل ، فقال الله : وعزتي وجلالي ، وجودي وارتفاعي في علو مكاني ، قد كان بعيني كل ما فعلت الحية بعبدي . فأمرني الله - وأنا الذي يقال لي المعروف ، مستقري في السماء الرابعة - أن انطلق إلى الجنة فخذ طاقة خضراء ، فالحق بها عبدي  محمد بن حمير  ، يا ابن حمير  ، عليك باصطناع المعروف ؛ فإنه يقي مصارع السوء  ، وإنه إن ضيعه المصطنع إليه لم يضع عند الله عز وجل . 
أخبرنا جعفر بن محمد بن نصير    - في كتابه - وحدثني عنه محمد بن إبراهيم  ، ثنا أحمد بن محمد بن مسروق  ، ثنا محمد بن الحسين  ، ثنا أبو عبد الله الرازي  ، قال : قال  سفيان بن عيينة    : عليك بالنصح لله في خلقه  ؛ فلن تلقى الله بعمل أفضل منه ، لو هبط علي ملك من السماء فأخبرني أن الناس كلهم يدخلون الجنة ، وأنا   [ ص: 295 ] وحدي أدخل النار ، لكنت بذلك راضيا . 
حدثنا محمد بن علي  ، ثنا أحمد بن الحسين بن طلاب  ، ثنا  أحمد بن أبي الحواري  ، ثنا مروان بن محمد  ، قال : سمعت  سفيان بن عيينة  ، وسأله رجل عن مسألة ، فقال : لا أدري  ، فقال له : يا أبا محمد  ، إنها قد كانت ، فقال له سفيان    : فإذا قد كان قد كانت ، وأنا لا أدري ، فأيش يعمل ؟ . 
حدثنا محمد بن علي  ، ثنا أحمد بن الحسين  ، ثنا  أحمد بن أبي الحواري  ، ثنا مروان  ، قال : سمعت  سفيان بن عيينة  ، وقال لشيخ عنده - أو إلى جانبه - : يا شيخ ، بلغني أنك تفتي في بلادك  ، قال : نعم يا أبا محمد  ، قال : أحمق والله . 
حدثنا محمد  ، ثنا أحمد  ، ثنا  أحمد بن أبي الحواري  ، ثنا أحمد بن أبي داود  ، قال : صلينا مع  سفيان بن عيينة  على جنازة ، فسأله رجل عن مسألة ، فقال : ما أحسن    . قال : وسمعت  سفيان بن عيينة  وسأله رجل في المسجد الحرام  ونحن عنده جلوس : يا أبا محمد  ، إنا نغزو أرض الروم  ، فيخرج معنا بالطاحونة ؟ فقال : سل عن هذا أهل الشام  ؛ فإنهم أعلم به منا . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					