المسألة الثالثة : اختلفوا في المراد بقوله تعالى : ( فأتوهن من حيث أمركم الله    ) وفيه وجوه : 
الأول : وهو قول  ابن عباس   ومجاهد  وإبراهيم  وقتادة  وعكرمة    : فأتوهن في المأتى فإنه هو الذي أمر الله به ، ولا تؤتوهن في غير المأتى ، وقوله : ( من حيث أمركم الله    ) أي : في حيث أمركم الله ، كقوله : ( إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة    ) [الجمعة : 9] أي : في يوم الجمعة . 
الثاني : قال الأصم  والزجاج    : أي فأتوهن من حيث يحل لكم غشيانهن ، وذلك بأن لا يكن صائمات ، ولا معتكفات ، ولا محرمات . 
الثالث : وهو قول  محمد ابن الحنفية    : فأتوهن من قبل الحلال دون الفجور . 
والأقرب هو القول الأول ; لأن لفظة ( حيث ) حقيقة في المكان ، مجاز في غيره . 
أما قوله : ( إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين    ) فالكلام في تفسير محبة الله تعالى ، وفي تفسير التوبة قد تقدم فلا نعيده ، إلا أنا نقول : التواب هو المكثر من فعل ما يسمى توبة ، وقد يقال : هذا من حق الله تعالى من حيث يكثر في قبول التوبة . 
فإن قيل : ظاهر الآية يدل على أنه يحب تكثير التوبة مطلقا ، والعقل يدل على أن التوبة لا تليق إلا بالمذنب ، فمن لم يكن مذنبا وجب أن لا تحسن منه التوبة . 
والجواب من وجهين : 
الأول : أن المكلف لا يأمن ألبتة من التقصير ، فتلزمه التوبة دفعا لذلك التقصير المجوز . 
الثاني : قال أبو مسلم الأصفهاني    : ( التوبة    ) في اللغة عبارة عن الرجوع ، ورجوع العبد إلى الله تعالى في كل الأحوال محمود . اعترض القاضي عليه بأن التوبة وإن كانت في أصل اللغة عبارة عن الرجوع ، إلا أنها في عرف الشرع عبارة عن الندم على ما فعل في الماضي ، والترك في الحاضر ، والعزم على أن لا يفعل مثله في المستقبل ، فوجب حمله على هذا المعنى الشرعي دون المفهوم اللغوي ، ولأبي مسلم  أن يجيب عنه فيقول : مرادي من هذا الجواب أنه إن أمكن حمل اللفظ على التوبة الشرعية ، فقد صح اللفظ وسلم عن السؤال ، وإن تعذر ذلك حملته على التوبة بحسب اللغة الأصلية ; لئلا يتوجه الطعن والسؤال .
أما قوله تعالى : ( ويحب المتطهرين    ) ففيه وجوه : 
أحدها : المراد منه التنزيه عن الذنوب والمعاصي ; وذلك لأن التائب هو الذي فعله ثم تركه ، والمتطهر هو الذي ما فعله تنزها عنه ، ولا ثالث لهذين القسمين ، واللفظ محتمل لذلك ; لأن الذنب نجاسة روحانية ، ولذلك قال : ( إنما المشركون نجس    ) [التوبة : 28] فتركه يكون طهارة روحانية ، وبهذا المعنى يوصف الله تعالى بأنه طاهر مطهر من حيث كونه منزها عن العيوب والقبائح ، ويقال : فلان طاهر الذيل . 
والقول الثاني : أن المراد : لا يأتيها في زمان الحيض ، وأن لا يأتيها في غير المأتى على ما قال : ( فأتوهن من حيث أمركم الله    ) ومن قال بهذا القول قال : هذا أولى ; لأنه أليق بما قبل الآية ؛ ولأنه تعالى قال حكاية عن قوم لوط    : ( أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون    ) [الأعراف : 82] فكان قوله : ( ويحب المتطهرين    ) ترك الإتيان في الأدبار    . 
والقول الثالث : أنه تعالى لما أمرنا بالتطهر في قوله : ( فإذا تطهرن    ) فلا جرم مدح المتطهر فقال : ( ويحب المتطهرين    ) ، والمراد منه التطهر بالماء ، وقد قال تعالى : ( رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين    ) [التوبة : 108] فقيل في التفسير : إنهم كانوا يستنجون بالماء فأثنى الله عليهم . 
				
						
						
