بقي في الآية سؤالات أربع : 
السؤال الأول : الأولاد إذا كانوا صغارا لم يجز نزول العذاب بهم وقد ورد في الخبر أنه صلوات الله عليه أدخل في المباهلة الحسن  والحسين    - عليهما السلام - فما الفائدة فيه ؟ 
والجواب : أن عادة الله تعالى جارية بأن عقوبة الاستئصال إذا نزلت بقوم هلكت معهم الأولاد والنساء  ، فيكون ذلك في حق البالغين عقابا ، وفي حق الصبيان لا يكون عقابا ، بل يكون جاريا مجرى إماتتهم وإيصال الآلام والأسقام إليهم ، ومعلوم أن شفقة الإنسان على أولاده وأهله شديدة جدا ، فربما جعل الإنسان نفسه فداء لهم وجنة لهم ، وإذا كان كذلك فهو - عليه السلام - أحضر صبيانه ونساءه مع نفسه وأمرهم بأن يفعلوا مثل ذلك ؛ ليكون ذلك أبلغ في الزجر وأقوى في تخويف الخصم ، وأدل على وثوقه - صلوات الله عليه وعلى آله - بأن الحق معه . 
السؤال الثاني : هل دلت هذه الواقعة على صحة نبوة محمد  صلى الله عليه وسلم  ؟ 
الجواب : أنها دلت على صحة نبوته - عليه السلام - من وجهين : 
أحدهما : وهو أنه - عليه السلام - خوفهم بنزول العذاب عليهم ، ولو لم يكن واثقا بذلك ، لكان ذلك منه سعيا في إظهار كذب نفسه ؛ لأن بتقدير أن يرغبوا في مباهلته ، ثم لا ينزل العذاب ، فحينئذ كان يظهر كذبه فيما أخبر ، ومعلوم أن محمدا    - صلى الله عليه وسلم - كان من أعقل الناس ، فلا يليق به أن يعمل عملا يفضي إلى ظهور كذبه فلما أصر على ذلك علمنا أنه إنما أصر عليه لكونه واثقا بنزول العذاب عليهم . 
وثانيهما : أن القوم لما تركوا مباهلته ، فلولا أنهم عرفوا من التوراة والإنجيل ما يدل على نبوته ، وإلا لما أحجموا عن مباهلته . 
فإن قيل : لم لا يجوز أن يقال : إنهم كانوا شاكين ، فتركوا مباهلته خوفا من أن يكون صادقا فينزل بهم ما ذكر من العذاب ؟ 
قلنا : هذا مدفوع من وجهين : 
الأول : أن القوم كانوا يبذلون النفوس والأموال في المنازعة مع الرسول عليه الصلاة والسلام ، ولو كانوا شاكين لما فعلوا ذلك . 
الثاني : أنه قد نقل عن أولئك النصارى  أنهم قالوا : إنه والله هو النبي المبشر به في التوراة والإنجيل ، وإنكم لو باهلتموه لحصل الاستئصال فكان ذلك تصريحا منهم بأن الامتناع عن المباهلة كان لأجل علمهم بأنه نبي مرسل من عند الله تعالى . 
 [ ص: 74 ] 
السؤال الثالث : أليس أن بعض الكفار اشتغلوا بالمباهلة مع محمد  صلى الله عليه وسلم ، حيث قالوا : ( اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء    ) [ الأنفال : 32 ] ثم إنه لم ينزل العذاب بهم البتة ؟ فكذا هاهنا ، وأيضا فبتقدير نزول العذاب ، كان ذلك مناقضا لقوله : ( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم    ) [ الأنفال : 33 ] . 
والجواب : الخاص مقدم على العام ، فلما أخبر - عليه السلام - بنزول العذاب في هذه السورة على التعيين وجب أن يعتقد أن الأمر كذلك . 
السؤال الرابع : قوله : ( إن هذا لهو القصص الحق    ) هل هو متصل بما قبله أم لا ؟ 
والجواب : قال أبو مسلم    : إنه متصل بما قبله ولا يجوز الوقف على قوله : ( الكاذبين ) ، وتقدير الآية ( فنجعل لعنة الله على الكاذبين    ) بأن هذا هو القصص الحق ، وعلى هذا التقدير كان حق " إن " أن تكون مفتوحة ، إلا أنها كسرت لدخول اللام في قوله ( لهو ) كما في قوله ( إن ربهم بهم يومئذ لخبير    ) [ العاديات : 11 ] ، وقال الباقون : الكلام تم عند قوله : ( على الكاذبين    ) وما بعده جملة أخرى مستقلة غير متعلقة بما قبلها ، والله أعلم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					