[ ص: 81 ] 
( يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون    ) 
قوله تعالى : ( ياأهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون    ) 
اعلم أنه تعالى لما بين حال الطائفة التي لا تشعر بما في التوراة من دلالة نبوة محمد    - صلى الله عليه وسلم ، بين أيضا حال الطائفة العارفة بذلك من أحبارهم . 
فقال : ( ياأهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله    ) وفيه مسائل : 
المسألة الأولى : ( لم ) أصلها لما ، لأنها : ما التي للاستفهام دخلت عليها اللام فحذفت الألف لطلب الخفة ؛ ولأن حرف الجر صار كالعوض عنها ؛ ولأنها وقعت طرفا ويدل عليها الفتحة ، وعلى هذا قوله : ( عم يتساءلون    ) [ النبأ : 1 ] ، و ( فبم تبشروني    ) [ الحجر : 54 ] والوقف على هذه الحروف يكون بالهاء ، نحو : فبمه ، ولمه . 
المسألة الثانية : في قوله ( بآيات الله    ) وجوه : 
الأول : أن المراد منها الآيات الواردة في التوراة والإنجيل ، وعلى هذا القول فيه وجوه : 
أحدها : ما في هذين الكتابين من البشارة بمحمد  عليه السلام ، ومنها ما في هذين الكتابين أن إبراهيم    - عليه السلام - كان حنيفا مسلما ، ومنها أن فيهما أن الدين هو الإسلام . 
واعلم أن على هذا القول المحتمل لهذه الوجوه نقول : إن الكفر بالآيات يحتمل وجهين : 
أحدهما : أنهم ما كانوا كافرين بالتوراة ، بل كانوا كافرين بما يدل عليه التوراة ، فأطلق اسم الدليل على المدلول على سبيل المجاز . 
والثاني : أنهم كانوا كافرين بنفس التوراة لأنهم كانوا يحرفونها وكانوا ينكرون وجود تلك الآيات الدالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم . 
فأما قوله تعالى : ( وأنتم تشهدون    ) فالمعنى على هذا القول أنهم عند حضور المسلمين ، وعند حضور عوامهم ، كانوا ينكرون اشتمال التوراة والإنجيل على الآيات الدالة على نبوة محمد  صلى الله عليه وسلم  ، ثم إذا خلا بعضهم مع بعض شهدوا بصحتها ، ومثله قوله تعالى : ( تبغونها عوجا وأنتم شهداء    ) [ آل عمران : 99 ] . 
واعلم أن تفسير الآية بهذا القول يدل على اشتمال هذه الآية على الإخبار عن الغيب  ؛ لأنه - عليه الصلاة والسلام - أخبرهم بما يكتمونه في أنفسهم ، ويظهرون غيره ، ولا شك أن الإخبار عن الغيب معجز . 
القول الثاني : في تفسير آيات الله : أنها هي القرآن ، وقوله ( وأنتم تشهدون    ) يعني أنكم تنكرون عند العوام كون القرآن معجزا ثم تشهدون بقلوبكم وعقولكم كونه معجزا . 
القول الثالث : أن المراد بآيات الله جملة المعجزات التي ظهرت على يد النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى هذا القول فقوله تعالى : ( وأنتم تشهدون    ) معناه أنكم إنما اعترفتم بدلالة المعجزات التي ظهرت على سائر الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - الدالة على صدقهم ، من حيث إن المعجز قائم مقام التصديق من الله تعالى ، فإذا شهدتم بأن المعجز إنما دل على صدق سائر الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - من هذا الوجه ، وأنتم تشهدون حصول هذا الوجه في حق محمد    - صلى الله عليه وسلم - كان إصراركم على إنكار نبوته ورسالته مناقضا لما شهدتم بحقيته من دلالة معجزات سائر الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - على صدقهم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					