أما قوله تعالى : ( والله لا يهدي القوم الظالمين    ) ففيه سؤالان : 
السؤال الأول : قال في أول الآية : ( كيف يهدي الله قوما    ) ، وقال في آخرها : ( والله لا يهدي القوم الظالمين    ) وهذا تكرار . 
والجواب : أن قوله : ( كيف يهدي الله    ) مختص بالمرتدين ، ثم إنه تعالى عمم ذلك الحكم في المرتد وفي الكافر الأصلي ، فقال : ( والله لا يهدي القوم الظالمين    ) . 
السؤال الثاني : لم سمي الكافر ظالما  ؟ 
الجواب : قال تعالى : ( إن الشرك لظلم عظيم    ) [ لقمان : 13] ، والسبب فيه أن الكافر أورد نفسه موارد   [ ص: 113 ] البلاء والعقاب بسبب ذلك الكفر ، فكان ظالما لنفسه . 
ثم قال تعالى : ( أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين  خالدين فيها    ) ، والمعنى أنه تعالى حكم بأن الذين كفروا بعد إيمانهم يمنعهم الله تعالى من هدايته  ، ثم بين أن الأمر غير مقصور عليه ، بل كما لا يهديهم في الدنيا يلعنهم اللعن العظيم ويعذبهم في الآخرة على سبيل التأبيد والخلود . 
واعلم أن لعنة الله مخالفة للعنة الملائكة  ؛ لأن لعنته بالإبعاد من الجنة وإنزال العقوبة والعذاب ، واللعنة من الملائكة هي بالقول ، وكذلك من الناس ، وكل ذلك مستحق لهم بسبب ظلمهم وكفرهم ، فصح أن يكون جزاء لذلك . وهاهنا سؤالان : 
السؤال الأول : لم عم جميع الناس ومن يوافقه لا يلعنه ؟ 
قلنا : فيه وجوه : 
الأول : قال أبو مسلم  له أن يلعنه وإن كان لا يلعنه . 
الثاني : أنه في الآخرة يلعن بعضهم بعضا ، قال تعالى : ( كلما دخلت أمة لعنت أختها    ) [ الأعراف : 38 ] ، وقال : ( ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا    ) [ العنكبوت : 25 ] ، وعلى هذا التقدير فقد حصل اللعن للكفار من الكفار . 
والثالث : كأن الناس هم المؤمنون ، والكفار ليسوا من الناس ، ثم لما ذكر لعن الثلاث قال : ( أجمعين ) . 
الرابع : وهو الأصح عندي أن جميع الخلق يلعنون المبطل والكافر ، ولكنه يعتقد في نفسه أنه ليس بمبطل ولا بكافر ، فإذا لعن الكافر وكان هو في علم الله كافرا ، فقد لعن نفسه وإن كان لا يعلم ذلك . 
السؤال الثاني : قوله : ( خالدين فيها ) أي خالدين في اللعنة ، فما خلود اللعنة  ؟ . 
قلنا : فيه وجهان : 
الأول : أن التخليد في اللعنة على معنى أنهم يوم القيامة لا يزال يلعنهم الملائكة والمؤمنون ومن معهم في النار ، فلا يخلو شيء من أحوالهم من أن يلعنهم لاعن من هؤلاء . الثاني : أن المراد بخلود اللعن خلود أثر اللعن ؛ لأن اللعن يوجب العقاب ، فعبر عن خلود أثر اللعن بخلود اللعن ، ونظيره قوله تعالى : ( من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا  خالدين فيه    ) [ طه : 100 ، 101 ] . 
الثالث : قال  ابن عباس  قوله : ( خالدين فيها ) أي في جهنم ، فعلى هذا الكناية عن غير مذكور ، واعلم أن قوله : ( خالدين فيها ) نصب على الحال مما قبله ، وهو قوله تعالى : ( عليهم لعنة الله    ) . 
ثم قال : ( لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون    ) معنى الإنظار التأخير ، قال تعالى : ( فنظرة إلى ميسرة    ) [ البقرة : 280 ] ، فالمعنى أنه لا يجعل عذابهم أخف ولا يؤخر العقاب من وقت إلى وقت ، وهذا تحقيق قول المتكلمين : إن العذاب الملحق بالكافر مضرة خالصة عن شوائب المنافع  دائمة غير منقطعة ، نعوذ منه بالله . 
ثم قال : ( إلا الذين تابوا من بعد ذلك    ) والمعنى إلا الذين تابوا منه ، ثم بين أن التوبة وحدها لا تكفي حتى ينضاف إليها العمل الصالح  ، فقال : ( وأصلحوا ) أي أصلحوا باطنهم مع الحق بالمراقبات وظاهرهم مع الخلق بالعبادات ، وذلك بأن يعلنوا بأنا كنا على الباطل حتى أنه لو اغتر بطريقتهم الفاسدة مغتر رجع عنها . 
ثم قال : ( فإن الله غفور رحيم    ) وفيه وجهان : 
الأول : غفور لقبائحهم في الدنيا بالستر ، رحيم في الآخرة بالعفو . 
الثاني : غفور بإزالة العقاب  ، رحيم بإعطاء الثواب  ، ونظيره قوله تعالى : ( قل للذين كفروا إن    )   [ ص: 114 ]   ( ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف    ) [ الأنفال : 38 ] ، ودخلت الفاء في قوله : ( فإن الله غفور رحيم    ) لأنه الجزاء ، وتقدير الكلام : إن تابوا فإن الله يغفر لهم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					