المسألة الرابعة : زعم جمهور المفسرين أن هذه الآية منسوخة ، وقال أبو مسلم    : إنها غير منسوخة ، أما المفسرون : فقد بنوا هذا على أصلهم ، وهو أن هذه الآية في بيان حكم الزنا ، ومعلوم أن هذا الحكم لم يبق وكانت الآية منسوخة ، ثم القائلون بهذا القول اختلفوا أيضا على قولين : 
فالأول : أن هذه الآية صارت منسوخة بالحديث وهو ما روى  عبادة بن الصامت  أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر والثيب بالثيب البكر تجلد وتنفى  والثيب تجلد وترجم    " ثم إن هذا الحديث صار منسوخا بقوله تعالى : ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة    ) [ النور : 2 ] وعلى هذا الطريق يثبت أن القرآن قد ينسخ بالسنة  وأن السنة قد تنسخ بالقرآن  خلاف قول  الشافعي    : لا ينسخ واحد منهما بالآخر . 
والقول الثاني : أن هذه الآية صارت منسوخة بآية الجلد . 
واعلم أن  أبا بكر الرازي  لشدة حرصه على الطعن في  الشافعي  قال : القول الأول أولى ؛ لأن آية الجلد لو كانت متقدمة على قوله : " خذوا عني " لما كان لقوله " خذوا عني " فائدة فوجب أن يكون قوله : " خذوا عني " متقدما على آية الجلد ، وعلى هذا التقدير تكون آية الحبس منسوخة بالحديث ويكون الحديث منسوخا بآية الجلد ، فحينئذ ثبت أن القرآن والسنة قد ينسخ كل واحد منهما بالآخر . 
واعلم أن كلام الرازي  ضعيف من وجهين : 
الأول : ما ذكره  أبو سليمان الخطابي  في معالم السنن فقال : لم يحصل النسخ في هذه الآية ولا في هذا الحديث البتة ، وذلك لأن قوله تعالى : ( فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا    ) يدل على أن إمساكهن في البيوت ممدود إلى غاية أن يجعل الله لهن سبيلا وذلك السبيل كان مجملا ، فلما قال صلى الله عليه وسلم : " خذوا عني الثيب ترجم والبكر تجلد وتنفى   " صار هذا الحديث بيانا لتلك الآية لا ناسخا لها وصار أيضا مخصصا لعموم قوله تعالى : ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة    ) [ النور : 2 ] ومن المعلوم أن جعل هذا الحديث بيانا لإحدى الآيتين ومخصصا للآية الأخرى ، أولى من الحكم بوقوع النسخ مرارا ، وكيف وآية الحبس مجملة قطعا فإنه ليس في الآية ما يدل على أن ذلك السبيل كيف هو ؟ فلا بد لها من المبين ، وآية الجلد مخصوصة ولا بد لها من المخصص ، فنحن جعلنا هذا الحديث مبينا لآية الحبس مخصصا لآية الجلد ، وأما على قول أصحاب  أبي حنيفة  فقد وقع النسخ من ثلاثة أوجه : 
الأول : آية الحبس صارت منسوخة بدلائل الرجم ، فظهر أن الذي قلناه هو الحق الذي لا شك فيه . 
الوجه الثاني : في دفع كلام الرازي    : إنك تثبت أنه لا يجوز أن تكون آية الجلد متقدمة على قوله : " خذوا عني " فلم قلت : إنه يجب أن تكون هذه الآية متأخرة عنه ؟ ولم لا يجوز أن يقال : إنه لما نزلت هذه الآية ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك ؟ وتقديره أن قوله : ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة    ) [ النور : 2 ] مخصوص بالإجماع في حق الثيب المسلم ، وتأخير بيان المخصص عن العام المخصوص غير جائز عندك وعند أكثر المعتزلة  ، لما أنه يوهم التلبيس ، وإذا كان كذلك فثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما قال ذلك مقارنا لنزول قوله : ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة    ) وعلى هذا التقدير سقط قولك : إن الحديث كان متقدما على آية الجلد . هذا كله تفريع على قول من يقول : هذه الآية أعني آية الحبس نازلة في حق الزناة ،   [ ص: 189 ] فثبت أن على هذا القول لم يثبت الدليل كونها منسوخة ، وأما على قول أبي مسلم الأصفهاني  فظاهر أنها غير منسوخة . والله أعلم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					