المسألة الثانية : شرح صلاة الخوف  هو أن الإمام يجعل القوم طائفتين ويصلي بهم ركعة واحدة ، ثم إذا فرغوا من الركعة فكيف يصنعون ؟ فيه أقوال : 
الأول : أن تلك الطائفة يسلمون من الركعة الواحدة ، ويذهبون إلى وجه العدو ، وتأتي الطائفة الأخرى ، ويصلي بهم الإمام ركعة أخرى ويسلم ، وهذا مذهب من يرى أن صلاة الخوف للإمام ركعتان ، وللقوم ركعة ، وهذا مروي عن  ابن عباس  ،  وجابر بن عبد الله  ،  ومجاهد    . 
الثاني : أن الإمام يصلي بتلك الطائفة ركعتين ويسلم ، ثم تذهب تلك الطائفة إلى وجه العدو ، وتأتي الطائفة الأخرى فيصلي الإمام بهم مرة أخرى ركعتين ، وهذا قول  الحسن البصري    . 
الثالث : أن يصلي الإمام مع الطائفة الأولى ركعة تامة ، ثم يبقى الإمام قائما في الركعة الثانية إلى أن تصلي هذه الطائفة ركعة أخرى ، ويتشهدون ويسلمون ويذهبون إلى وجه العدو ، ثم تأتي الطائفة الثانية ويصلون مع الإمام قائما في الركعة الثانية ركعة ، ثم يجلس الإمام في التشهد إلى أن تصلي الطائفة الثانية الركعة الثانية ، ثم يسلم الإمام بهم ، وهذا قول سهل بن أبي حثمة  ، ومذهب  الشافعي    . 
الرابع : أن الطائفة الأولى يصلي الإمام بهم ركعة ، ويعودون إلى وجه العدو ، وتأتي الطائفة الثانية فيصلي بهم بقية الصلاة ، وينصرفون إلى وجه العدو ، ثم تعود الطائفة الأولى فيقضون بقية صلاتهم بقراءة ، وينصرفون إلى وجه العدو ، ثم تعود الطائفة الثانية فيقضون بقية صلاتهم بقراءة ، والفرق أن الطائفة الأولى أدركت أول الصلاة ، وهم في حكم من خلف الإمام ، وأما الثانية فلم تدرك أول الصلاة ، والمسبوق فيما يقضي كالمنفرد في صلاته ، وهذا قول  عبد الله بن مسعود  ، ومذهب  أبي حنيفة    . 
واعلم أنه وردت الروايات المختلفة بهذه الصلاة ، فلعله صلى الله عليه وسلم صلى بهم هذه الصلاة في أوقات مختلفة ، بحسب المصلحة ، وإنما وقع الاختلاف بين الفقهاء في أن الأفضل والأشد موافقة لظاهر الآية أي هذه الأقسام ؟ أما الواحدي    -رحمه الله- فقال : الآية مخالفة للروايات التي أخذ بها  أبو حنيفة  ، وبين ذلك من وجهين : 
الأول : أنه تعالى قال : ( ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا    ) . وهذا يدل على أن الطائفة الأولى قد صلت عند إتيان الثانية ، وعند  أبي حنيفة  ليس الأمر كذلك ؛ لأن الطائفة الثانية عنده تأتي والأولى بعد في الصلاة وما   [ ص: 21 ] فرغوا منها . 
الثاني : أن قوله : ( فليصلوا معك ) ظاهره يدل على أن جميع صلاة الطائفة الثانية مع الإمام ؛ لأن مطلق قولك : صليت مع الإمام يدل على أنك أدركت جميع الصلاة معه ، وعلى قول  أبي حنيفة  ليس الأمر كذلك . 
وأما أصحاب  أبي حنيفة  فقالوا : الآية مطابقة لقولنا ؛ لأنه تعالى قال : ( فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم    ) . وهذا يدل على أن الطائفة الأولى لم يفرغوا من الصلاة ، ولكنهم يصلون ركعة ، ثم يكونون من وراء الطائفة الثانية للحراسة ، وأجاب الواحدي  عنه فقال : هذا إنما يلزم إذا جعلنا السجود والكون من ورائكم لطائفة واحدة ، وليس الأمر كذلك ، بل هو لطائفتين ، السجود للأولى ، والكون من ورائكم الذي بمعنى الحراسة للطائفة الثانية ، والله أعلم . 
ولنرجع إلى تفسير الآية فنقول : قوله تعالى : ( وإذا كنت فيهم    ) . أي : وإذا كنت أيها النبي مع المؤمنين في غزواتهم وخوفهم : ( فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك    ) . والمعنى : فاجعلهم طائفتين ، فلتقم منهم طائفة معك فصل بهم ، وليأخذوا أسلحتهم . والضمير إما للمصلين وإما لغيرهم ، فإن كان للمصلين فقالوا : يأخذون من السلاح ما لا يشغلهم عن الصلاة ؛ كالسيف والخنجر ؛ وذلك لأن ذلك أقرب إلى الاحتياط ، وأمنع للعدو من الإقدام عليهم ، وإن كان لغير المصلين فلا كلام فيه . ويحتمل أن يكون ذلك أمرا للفريقين بحمل السلاح ؛ لأن ذلك أقرب إلى الاحتياط . 
ثم قال : ( فإذا سجدوا فليكونوا    ) . 
يعني : غير المصلين : ( من ورائكم ) يحرسونكم ، وقد ذكرنا أن أداء الركعة الأولى مع الإمام في صلاة الخوف كهو في صلاة الأمن ، إنما التفاوت يقع في أداء الركعة الثانية فيه ، وقد ذكرنا مذاهب الناس فيها . 
ثم قال : ( ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك    ) . وقد بينا أن هذه الآية دالة على صحة قول  الشافعي    . 
ثم قال : ( وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم    ) . والمعنى : أنه تعالى جعل الحذر -وهو التحذر والتيقظ - آلة يستعملها الغازي ، فلذلك جمع بينه وبين الأسلحة في الأخذ ، وجعلا مأخوذين . قال الواحدي    -رحمه الله- : وفيه رخصة للخائف في الصلاة بأن يجعل بعض فكره في غير الصلاة    . 
فإن قيل : لم ذكر في الآية الأولى" أسلحتهم " فقط ، وذكر في هذه الآية حذرهم وأسلحتهم ؟ . 
قلنا : لأن في أول الصلاة قلما يتنبه العدو لكون المسلمين في الصلاة ، بل يظنون كونهم قائمين لأجل المحاربة . أما في الركعة الثانية فقد ظهر للكفار كونهم في الصلاة ، فههنا ينتهزون الفرصة في الهجوم عليهم ، فلا جرم خص الله تعالى هذا الموضع بزيادة تحذير ، فقال : ( وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم    ) . 
ثم قال تعالى : ( ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة    ) . أي : بالقتال . عن  ابن عباس  وجابر  أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه الظهر ، ورأى المشركون ذلك ، فقالوا بعد ذلك : بئسما صنعنا حيث لم نقدم عليهم ، وعزموا على ذلك عند الصلاة الأخرى ، فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على أسرارهم بهذه الآية   . 
ثم قال تعالى : ( ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم    )   [ ص: 22 ] والمعنى أنه إن تعذر حمل السلاح ؛ إما لأنه يصيبه بلل المطر فيسود وتفسد حدته ، أو لأن من الأسلحة ما يكون مبطنا فيثقل على لابسه إذا ابتل بالماء ، أو لأجل أن الرجل كان مريضا فيشق عليه حمل السلاح ، فههنا له أن يضع حمل السلاح . 
				
						
						
