[ ص: 38 ] ثم قال تعالى : ( لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا    ) وفيه مسألتان . 
المسألة الأولى : قال صاحب "الكشاف" : قوله : ( لعنه الله وقال لأتخذن    ) صفتان بمعنى شيطانا مريدا ، جامعا بين لعنة الله وهذا القول الشنيع . واعلم أن الشيطان ههنا ، قد ادعى أشياء : 
أولها : قوله ( لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا    ) الفرض في اللغة    : القطع ، والفرضة : الثلمة التي تكون في طرف النهر ، والفرض : الحز الذي في الوتر ، والفرض في القوس : الحز الذي يشد فيه الوتر ، والفريضة : ما فرض الله على عباده وجعله حتما عليهم قطعا لعذرهم ، وكذا قوله : ( وقد فرضتم لهن فريضة    ) [البقرة : 237] . أي : جعلتم لهن قطعة من المال . 
إذا عرفت هذا فنقول : معنى الآية أن الشيطان لعنه الله قال عند ذلك : لأتخذن من عبادك حظا مقدرا معينا ، وهم الذين يتبعون خطواته ويقبلون وساوسه ، وفي التفسير عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال :   "من كل ألف واحد لله وسائره للناس ولإبليس"   . 
فإن قيل : النقل والعقل يدلان على أن حزب الشيطان أكثر عددا من حزب الله    . 
أما النقل : فقوله تعالى في صفة البشر : ( تولوا إلا قليلا منهم    ) [ البقرة : 246 ] . وقال حاكيا عن الشيطان : ( لأحتنكن ذريته إلا قليلا    ) [الإسراء : 62] . وحكي عنه أيضا أنه قال : ( ولأغوينهم أجمعين  إلا عبادك منهم المخلصين    ) [الحجر : 39 ، 40 ] . ولا شك أن المخلصين قليلون . 
وأما العقل : فهو أن الفساق والكفار أكثر عددا من المؤمنين المخلصين ، ولا شك أن الفساق والكفار كلهم حزب إبليس . 
إذا ثبت هذا فنقول : لم قال : ( لأتخذن من عبادك نصيبا    ) مع أن لفظ النصيب لا يتناول القسم الأكثر ، وإنما يتناول الأقل  ؟ . 
والجواب : أن هذا التفاوت إنما يحصل في نوع الشر ، أما إذا ضممت زمرة الملائكة مع غاية كثرتهم إلى المؤمنين كانت الغلبة للمؤمنين المخلصين ، وأيضا فالمؤمنون وإن كانوا قليلين في العدد إلا أن منصبهم عظيم عند الله ، والكفار والفساق وإن كانوا كثيرين في العدد فهم كالعدم ؛ فلهذا السبب وقع اسم النصيب على قوم إبليس . 
وثانيها : قوله : ( ولأضلنهم    ) يعني عن الحق . 
				
						
						
