قوله تعالى : ( يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا  فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطا مستقيما    ) . 
واعلم أنه تعالى : لما أورد الحجة على جميع الفرق من المنافقين والكفار واليهود  والنصارى  وأجاب عن جميع شبهاتهم عمم الخطاب ودعا جميع الناس إلى الاعتراف برسالة محمد    - عليه الصلاة والسلام    - فقال :   ( ياأيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم    )  والبرهان هو محمد    - عليه الصلاة والسلام - ، وإنما سماه برهانا لأن حرفته إقامة البرهان على تحقيق الحق وإبطال الباطل ، والنور المبين هو القرآن ، وسماه نورا لأنه سبب لوقوع نور الإيمان في القلب ، ولما قرر على كل العالمين كون محمد  رسولا وكون القرآن كتابا حقا أمرهم بعد ذلك أن يتمسكوا بشريعة محمد    - صلى الله عليه وسلم - ووعدهم عليه بالثواب فقال :   ( فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به    )  والمراد آمنوا بالله في ذاته وصفاته وأفعاله وأحكامه وأسمائه واعتصموا به أي : بالله في أن يثبتهم على الإيمان ويصونهم عن نزغ الشيطان ويدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطا مستقيما ، فوعد بأمور ثلاثة : الرحمة   [ ص: 95 ] والفضل والهداية . قال  ابن عباس    : الرحمة : الجنة ، والفضل : ما يتفضل به عليهم مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ( ويهديهم إليه صراطا مستقيما    ) يريد دينا مستقيما   . 
وأقول : الرحمة والفضل محمولان على ما في الجنة من المنفعة والتعظيم ، وأما الهداية فالمراد منها السعادات الحاصلة بتجلي أنوار عالم القدس والكبرياء في الأرواح البشرية وهذا هو السعادة الروحانية ، وأخر ذكرها عن القسمين الأولين تنبيها على أن البهجة الروحانية أشرف من اللذات الجسمانية . 
				
						
						
