ثم قال تعالى : ( تحبسونهما من بعد الصلاة     ) وفيه مسائل : 
المسألة الأولى : تحبسونهما ، أي توقفونهما كما يقول الرجل : مر بي فلان على فرس فحبس علي دابته ؛ أي أوقفها ، وحبست الرجل في الطريق أكلمه ؛ أي أوقفته . 
فإن قيل : ما موقع ( تحبسونهما    ) ؟ 
قلنا : هو استئناف ، كأنه : قيل كيف نعمل إن حصلت الريبة فيهما ؟ فقيل : تحبسونهما . 
المسألة الثانية : قوله : ( من بعد الصلاة    ) فيه أقوال ، الأول : قال  ابن عباس    : من بعد صلاة أهل دينهما . 
والثاني : قال عامة المفسرين : من بعد صلاة العصر . 
فإن قيل : كيف عرف أن المراد هو صلاة العصر ، مع أن المذكور هو الصلاة المطلقة ؟ 
قلنا : إنما عرف هذا التعيين بوجوه : 
أحدها : أن هذا الوقت كان معروفا عندهم بالتحليف بعدها ، فالتقييد بالمعروف المشهور أغنى عن التقييد باللفظ . 
وثانيها : ما روي أنه لما نزلت هذه الآية صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة العصر ، ودعا بعدي  وتميم  ، فاستحلفهما عند المنبر ، فصار فعل الرسول دليلا على التقييد . 
وثالثها : أن جميع أهل الأديان يعظمون هذا الوقت ويذكرون الله فيه ويحترزون عن الحلف الكاذب ، وأهل الكتاب  يصلون لطلوع الشمس وغروبها . 
والقول الثالث : قال الحسن    : المراد بعد الظهر أو بعد العصر ؛ لأن أهل الحجاز  كانوا يقعدون للحكومة بعدهما . 
 [ ص: 98 ] والقول الرابع : أن المراد بعد أداء الصلاة أي صلاة كانت والغرض من التحليف بعد إقامة الصلاة  هو أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، فكان احتراز الحالف عن الكذب في ذلك الوقت أتم وأكمل ، والله أعلم . 
المسألة الثالثة : قال  الشافعي  رحمه الله : الأيمان تغلظ في  الدماء والطلاق والعتاق ، والمال إذا بلغ مائتي درهم ، في الزمان والمكان ، فيحلف بعد العصر بمكة  بين الركن والمقام ، وبالمدينة  عند المنبر ، وفي بيت المقدس  عند الصخرة ، وفي سائر البلدان في أشرف المساجد . وقال  أبو حنيفة  رحمه الله : يحلف من غير أن يختص الحلف بزمان أو مكان ، وهذا على خلاف الآية ، ولأن المقصود منه التهويل والتعظيم ، ولا شك أن الذي ذكره  الشافعي  رضي الله عنه أقوى . 
				
						
						
