[ ص: 217 ] الفصل الرابع 
قال عليه السلام حكاية عن الله تعالى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين  ، فإذا قال العبد : بسم الله الرحمن الرحيم  يقول الله تعالى ذكرني عبدي ، وإذا قال : الحمد لله رب العالمين  يقول الله حمدني عبدي ، وإذا قال الرحمن الرحيم  يقول الله عظمني عبدي ، وإذا قال مالك يوم الدين  يقول الله مجدني عبدي ، وفي رواية أخرى فوض إلي عبدي ، وإذا قال : إياك نعبد  يقول الله عبدني عبدي ، وإذا قال : وإياك نستعين  يقول الله تعالى توكل علي عبدي ، وفي رواية أخرى فإذا قال : إياك نعبد وإياك نستعين  يقول الله تعالى هذا بيني وبين عبدي ، وإذا قال : اهدنا الصراط المستقيم  يقول الله هذا لعبدي ولعبدي ما سأل   . 
فوائد هذا الحديث : 
الفائدة الأولى : قوله تعالى : " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين   " يدل على أن مدار الشرائع على رعاية مصالح الخلق  ، كما قال : ( إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها    ) [ الإسراء : 7 ] وذلك لأن أهم المهمات للعبد أن يستنير قلبه بمعرفة الربوبية ، ثم بمعرفة العبودية ؛ لأنه إنما خلق لرعاية هذا العهد ، كما قال : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون    ) [ الذاريات : 56 ] وقال : ( إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا    ) [ الإنسان : 2 ] وقال : ( يابني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم    ) [ البقرة : 40 ] ولما كان الأمر كذلك لا جرم أنزل الله هذه السورة على محمد  عليه السلام ، وجعل النصف الأول منها في معرفة الربوبية ، والنصف الثاني منها في معرفة العبودية ، حتى تكون هذه السورة جامعة لكل ما يحتاج إليه في الوفاء بذلك العهد . 
الفائدة الثانية : الله تعالى سمى الفاتحة باسم الصلاة  ، وهذا يدل على أحكام : 
الحكم الأول : أن عند عدم قراءة الفاتحة وجب أن لا تحصل الصلاة ، وذلك يدل على أن قراءة الفاتحة ركن من أركان الصلاة  ، كما يقوله أصحابنا ويتأكد هذا الدليل بدلائل أخرى : 
أحدها : أنه عليه الصلاة والسلام واظب على قراءتها فوجب أن يجب علينا ذلك لقوله تعالى : ( فاتبعوه    ) [ الأنعام : 153 ] ولقوله عليه الصلاة والسلام : " صلوا كما رأيتموني أصلي   " . 
وثانيها : أن الخلفاء الراشدين واظبوا على قراءتها فوجب أن يجب علينا ذلك ، لقوله عليه الصلاة والسلام : " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي   " . 
وثالثها : أن جميع المسلمين شرقا وغربا لا يصلون إلا بقراءة الفاتحة فوجب أن تكون متابعتهم واجبة في ذلك لقوله تعالى : ( ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم    ) [ النساء : 115 ] . 
ورابعها : قوله عليه الصلاة والسلام : " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب   " . 
خامسها : قوله تعالى : ( فاقرءوا ما تيسر من القرآن    ) [ المزمل : 20 ] وقوله " فاقرءوا    " أمر وظاهره الوجوب ، فكانت قراءة ما تيسر من القرآن واجبة ، وقراءة غير الفاتحة ليست واجبة ، فوجب أن تكون قراءة الفاتحة واجبة عملا بظاهر الأمر . 
وسادسها : أن قراءة الفاتحة أحوط فوجب المصير إليها ؛ لقوله عليه السلام : " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك   " . 
وسابعها : أن الرسول عليه السلام واظب على قراءتها فوجب أن يكون العدول عنه محرما لقوله تعالى : ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره    ) [ النور : 63 ] . 
وثامنها : أنه لا نزاع بين المسلمين أن قراءة الفاتحة في الصلاة أفضل وأكمل من قراءة غيرها  ، إذا ثبت هذا فنقول : التكليف كان متوجها على العبد بإقامة الصلاة ، والأصل في الثابت البقاء ، حكمنا بالخروج عن هذه العهدة عند الإيتاء بالصلاة مؤداة بقراءة الفاتحة ،   [ ص: 218 ] وقد دللنا على أن هذه الصلاة أفضل من الصلاة المؤداة بقراءة غير الفاتحة ولا يلزم من الخروج عن العهدة بالعمل الكامل الخروج عن العهدة بالعمل الناقص ، فعند إقامة الصلاة المشتملة على قراءة غير الفاتحة وجب البقاء في العهدة . 
وتاسعها : أن المقصود من الصلاة حصول ذكر القلب ؛ لقوله تعالى : ( وأقم الصلاة لذكري    ) [ طه : 14 ] وهذه السورة مع كونها مختصرة ، جامعة لمقامات الربوبية والعبودية ، والمقصود من جميع التكاليف حصول هذه المعارف ، ولهذا السبب جعل الله هذه السورة معادلة لكل القرآن في قوله : ( ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم    ) [ الحجر : 87 ] فوجب أن لا يقوم غيرها مقامها البتة . 
وعاشرها : أن هذا الخبر الذي رويناه يدل على أن عند فقدان الفاتحة لا تحصل الصلاة . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					