أما قوله تعالى : ( ولا تسرفوا ) فاعلم أن لأهل اللغة في تفسير الإسراف  قولين : الأول : قال  ابن الأعرابي    : السرف تجاوز ما حد لك . الثاني : قال شمر    : سرف المال ، ما ذهب منه من غير منفعة . 
 [ ص: 176 ] إذا عرفت هذا فنقول : للمفسرين فيه أقوال : 
الأول : أن الإنسان إذا أعطى كل ماله ولم يوصل إلى عياله شيئا فقد أسرف؛  لأنه جاء في الخبر ، " ابدأ بنفسك ثم بمن تعول   " . 
وروي أن  ثابت بن قيس بن شماس  عمد إلى خمسمائة نخلة فجذها ، ثم قسمها في يوم واحد ولم يدخل منها إلى منزله شيئا فأنزل الله تعالى قوله : ( وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا    ) أي ولا تعطوا كله . 
والثاني : قال  سعيد بن المسيب    : " لا تسرفوا " أي لا تمنعوا الصدقة ، وهذان القولان يشتركان في أن المراد من الإسراف  مجاوزة الحد ، إلا أن الأول مجاوزة في الإعطاء ، والثاني مجاوزة في المنع . 
الثالث : قال مقاتل    : معناه : لا تشركوا الأصنام في الحرث والأنعام ، وهذا أيضا من باب المجاوزة ؛ لأن من أشرك الأصنام في الحرث والأنعام ، فقد جاوز ما حد له . 
الرابع : قال  الزهري  معناه : لا تنفقوا في معصية الله تعالى . قال  مجاهد    : لو كان أبو قبيس  ذهبا ، فأنفقه رجل في طاعة الله تعالى لم يكن مسرفا . ولو أنفق درهما في معصية الله كان مسرفا . وهذا المعنى أراده حاتم الطائي  حين قيل له : لا خير في السرف . فقال لا سرف في الخير ، وهذا على القول الثاني في معنى السرف ، فإن من أنفق في معصية الله ، فقد أنفق فيما لا نفع فيه . 
ثم قال تعالى : ( إنه لا يحب المسرفين    ) والمقصود منه الزجر ؛ لأن كل مكلف لا يحبه الله تعالى فهو من أهل النار ، والدليل عليه قوله تعالى : ( وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم    ) [ المائدة : 18 ] فدل هذا على أن كل من أحبه الله فليس هو من أهل النار    . وذلك يفيد من بعض الوجوه أن من لم يحبه الله فهو من أهل النار . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					