( وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمت ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون    ) . 
قوله تعالى : ( وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون    ) . 
اعلم أن موسى  عليه السلام كان قد ذكر لبني إسرائيل  قوله : ( عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض    ) [ الأعراف : 129 ] فههنا لما بين تعالى إهلاك القوم بالغرق على وجه العقوبة ، بين ما فعله بالمؤمنين من الخيرات ، وهو أنه تعالى أورثهم أرضهم وديارهم فقال : ( وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون    )   [ ص: 181 ]   ( مشارق الأرض ومغاربها    ) والمراد من ذلك الاستضعاف أنه كان يقتل أبناءهم ، ويستحيي نساءهم ، ويأخذ منهم الجزية ، ويستعملهم في الأعمال الشاقة ، واختلفوا في معنى ( مشارق الأرض ومغاربها    ) فبعضهم حمله على مشارق أرض الشام  ومصر  ومغاربها ؛ لأنها هي التي كانت تحت تصرف فرعون لعنه الله ، وأيضا قوله : ( التي باركنا فيها    ) المراد باركنا فيها بالخصب وسعة الأرزاق ، وذلك لا يليق إلا بأرض الشام    . 
والقول الثاني : المراد جملة الأرض ، وذلك لأنه خرج من جملة بني إسرائيل  داود  وسليمان  قد ملك الأرض ، وهذا يدل على أن الأرض ههنا اسم الجنس . 
وقوله : ( وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل    ) قيل : المراد من ( كلمة ربك    ) قوله : ( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض    ) [ القصص : 5 ] إلى قوله : ( ما كانوا يحذرون    ) [ القصص : 6 ] والحسنى تأنيث الأحسن صفة للكلمة ، ومعنى تمت على بني إسرائيل    : مضت عليهم واستمرت ، من قولهم : تم عليك الأمر إذا مضى عليك . وقيل : معنى تمام الكلمة الحسنى إنجاز الوعد الذي تقدم بإهلاك عدوهم واستخلافهم في الأرض ، وإنما كان الإنجاز تماما للكلام ؛ لأن الوعد بالشيء يبقى كالشيء المعلق ، فإذا حصل الموعود به فقد تم لك الوعد وكمل . وقوله : ( بما صبروا    ) أي إنما حصل ذلك التمام بسبب صبرهم ، وحسبك به حاثا على الصبر ودالا على أن من قابل البلاء بالجزع وكله الله إليه ، ومن قابله بالصبر وانتظار النصر ضمن الله له الفرج  ، وقرأ عاصم  في رواية " وتمت كلمات ربك الحسنى " ونظيره " من آيات ربه الكبرى    " [ النجم : 18 ] . وقوله : ( ودمرنا    ) قال الليث    : الدمار الهلاك التام . يقال : دمر القوم يدمرون دمارا أي هلكوا . وقوله : ( ما كان يصنع فرعون وقومه    ) قال  ابن عباس    : يريد الصانع ( وما كانوا يعرشون    ) قال الزجاج    : يقال : عرش يعرش ويعرش إذا بنى ، قيل : وما كانوا يعرشون من الجنات ، ومنه قوله تعالى : ( جنات معروشات    ) [ الأنعام : 141 ] وقيل : ( وما كانوا يعرشون    ) يرفعون من الأبنية المشيدة في السماء ، كصرح هامان  وفرعون . وقرئ " يعرشون " بالكسر والضم ، وذكر اليزيدي  أن الكسر أفصح ، قال صاحب " الكشاف " : وبلغني أنه قرأ بعض الناس " يغرسون " من غرس الأشجار وما أحسبه إلا تصحيفا منه ، وهذا آخر ما ذكره الله تعالى من قصة فرعون وقومه وتكذيبهم بآيات الله تعالى . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					