[ ص: 192 ]   ( قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين    ) . 
قوله تعالى : ( قال ياموسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين    ) . 
اعلم أن موسى  عليه السلام لما طلب الرؤية ومنعه الله منها ، عدد الله عليه وجوه نعمه العظيمة التي له عليه ، وأمره أن يشتغل بشكرها ، كأنه قال له : إن كنت قد منعتك الرؤية فقد أعطيتك من النعم العظيمة كذا وكذا ، فلا يضيق صدرك بسبب منع الرؤية ، وانظر إلى سائر أنواع النعم التي خصصتك بها واشتغل بشكرها . والمقصود تسلية موسى  عليه السلام عن منع الرؤية  ، وهذا أيضا أحد ما يدل على أن الرؤيا جائزة على الله تعالى  ، إذ لو كانت ممتنعة في نفسها لما كان إلى ذكر هذا القدر حاجة . 
واعلم أن الاصطفاء استخلاص الصفوة ، فقوله : ( اصطفيتك    ) أي اتخذتك صفوة على الناس ، قال  ابن عباس    : يريد فضلتك على الناس ، ولما ذكر أنه تعالى اصطفاه ذكر الأمر الذي به حصل هذا الاصطفاء ، فقال : ( برسالاتي وبكلامي    ) قرأ ابن كثير  ونافع    " برسالتي " على الواحد ، والباقون " برسالاتي " على الجمع ، وذلك أنه تعالى أوحى إليه مرة بعد أخرى ، ومن قرأ " برسالتي " فلأن الرسالة تجري مجرى المصدر ، فيجوز إفرادها في موضع الجمع ، وإنما قال : ( اصطفيتك على الناس    ) ولم يقل على الخلق ؛ لأن الملائكة قد تسمع كلام الله من غير واسطة كما سمعه موسى  عليه السلام    . 
فإن قيل : كيف اصطفاه على الناس برسالاته مع أن كثيرا من الناس قد ساواه في الرسالة ؟ 
قلنا : إنه تعالى بين أنه خصه من دون الناس بمجموع الأمرين ، وهو الرسالة مع الكلام بغير واسطة ، وهذا المجموع ما حصل لغيره ، فثبت أنه إنما حصل التخصيص ههنا لأنه سمع ذلك الكلام بغير واسطة ، وإنما كان الكلام بغير واسطة سببا لمزيد الشرف بناء على العرف الظاهر ؛ لأن من سمع كلام الملك العظيم من فلق فيه كان أعلى حالا وأشرف مرتبة ممن سمعه بواسطة الحجاب والنواب ، ولما ذكر هذين النوعين من النعمة العظيمة . قال : ( فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين    ) يعني فخذ هذه النعمة ، ولا يضيق قلبك بسبب منعك الرؤية ، واشتغل بشكر الفوز بهذه النعمة ، والاشتغال بشكرها إنما يكون بالقيام بلوازمها علما وعملا . والله أعلم . 
				
						
						
