[ ص: 127 ] واعلم أنه تعالى لما حكى هاتين الشبهتين لم يذكر الجواب عن الشبهة الأولى ، وهو قوله :( لو نشاء لقلنا مثل هذا    ) ولكنه ذكر الجواب عن الشبهة الثانية ، وهو قوله :( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون    )  وفيه مسائل : 
المسألة الأولى : اعلم أن تقرير وجه الجواب أن الكفار لما بالغوا وقالوا : اللهم إن كان محمد  محقا فأمطر علينا حجارة من السماء ، ذكر تعالى أن محمدا  وإن كان محقا في قوله إلا أنه مع ذلك لا يمطر الحجارة على أعدائه ، وعلى منكري نبوته ، لسببين : 
الأول : أن محمدا  عليه الصلاة والسلام ما دام يكون حاضرا معهم ، فإنه تعالى لا يفعل بهم ذلك تعظيما له ، وهذا أيضا عادة الله مع جميع الأنبياء المتقدمين ، فإنه لم يعذب أهل قرية إلا بعد أن يخرج رسولهم منها ، كما كان في حق هود  وصالح  ولوط    . 
فإن قيل : لما كان حضوره فيهم مانعا من نزول العذاب عليهم ، فكيف قال :( قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم    ) [التوبة : 14] . 
قلنا : المراد من الأول عذاب الاستئصال ، ومن الثاني : العذاب الحاصل بالمحاربة والمقاتلة . 
والسبب الثاني : قوله :( وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون    )  وفي تفسيره وجوه : 
الأول : وما كان الله معذب هؤلاء الكفار وفيهم مؤمنون يستغفرون ، فاللفظ وإن كان عاما إلا أن المراد بعضهم كما يقال : قتل أهل المحلة رجلا ، وأقدم أهل البلدة الفلانية على الفساد ، والمراد بعضهم . 
الثاني : وما كان الله معذب هؤلاء الكفار ، وفي علم الله أنه يكون لهم أولاد يؤمنون بالله ويستغفرونه ، فوصفوا بصفة أولادهم وذراريهم . 
الثالث : قال قتادة  والسدي    :( وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون    ) أي لو استغفروا لم يعذبوا ، فكان المطلوب من ذكر هذا الكلام استدعاء الاستغفار منهم؛ أي لو اشتغلوا بالاستغفار لما عذبهم الله . 
ولهذا ذهب بعضهم إلى أن الاستغفار ههنا بمعنى الإسلام ، والمعنى : أنه كان معهم قوم كان في علم الله أن يسلموا ، منهم  أبو سفيان بن حرب  ، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب  ،  والحارث بن هشام  ،  وحكيم بن حزام  ، وعدد كثير ، والمعنى( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم    ) مع أن علم الله أن فيهم من يئول أمره إلى الإيمان ، قال أهل المعاني : دلت هذه الآية على أن الاستغفار أمان وسلامة من العذاب    . قال  ابن عباس    : كان فيهم أمانان نبي الله والاستغفار ، أما النبي فقد مضى ، وأما الاستغفار فهو باق إلى يوم القيامة ، ثم قال :( وما لهم ألا يعذبهم الله    ) واعلم أنه تعالى بين في الآية الأولى أنه لا يعذبهم ما دام رسول الله فيهم ، وذكر في هذه الآية أنه يعذبهم فكان المعنى أنه يعذبهم إذا خرج الرسول من بينهم ، ثم اختلفوا في هذا العذاب فقال بعضهم : لحقهم هذا العذاب المتوعد به يوم بدر  ، وقيل بل يوم فتح مكة  ، وقال  ابن عباس    : هذا العذاب هو عذاب الآخرة ، والعذاب الذي نفاه عنهم هو عذاب الدنيا ، ثم بين تعالى ما لأجله يعذبهم ، فقال :( وهم يصدون عن المسجد الحرام    ) وقد ظهرت الأخبار أنهم كيف صدوا عنه عام الحديبية ، ونبه على أنهم يصدون لادعائهم أنهم أولياؤه ، ثم بين بطلان هذه الدعوى بقوله :( وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون    ) الذين يتحرزون عن المنكرات ، كالذي كانوا يفعلونه عند البيت  من المكاء والتصدية ، والمقصود بيان أن من كانت هذه حاله لم يكن وليا للمسجد الحرام  ، فهم إذن أهل لأن يقتلوا بالسيف ويحاربوا ، فقتلهم الله يوم بدر  ، وأعز الإسلام بذلك على ما تقدم شرحه . 
				
						
						
