[ ص: 59 ] المسألة الرابعة : استدل  أبو علي الجبائي  بهذه الآية على بطلان أن الاستطاعة مع الفعل ، فقال : لو كانت الاستطاعة مع الفعل لكان من يخرج إلى القتال لم يكن مستطيعا إلى القتال ، ولو كان الأمر كذلك لكانوا صادقين في قولهم : ما كنا نستطيع ذلك ، ولما كذبهم الله تعالى في هذا القول ، علمنا أن الاستطاعة قبل الفعل ، واستدل الكعبي  بهذا الوجه أيضا له ، وسأل نفسه لا يجوز أن يكون المراد به : ما كان لهم زاد ولا راحلة ، وما أرادوا به نفس القدرة . 
وأجاب : إن كان من لا راحلة له يعذر في ترك الخروج  ، فمن لا استطاعة له أولى بالعذر ، وأيضا الظاهر من الاستطاعة قوة البدن دون وجود المال ، وإذا أريد به المال ، فإنما يراد ؛ لأنه يعين على ما يفعله الإنسان بقوة البدن ، فلا معنى لترك الحقيقة من غير ضرورة . 
وأجاب أصحابنا : بأن المعتزلة  سلموا أن القدرة على الفعل لا تتقدم على الفعل ، إلا بوقت واحد ، فأما أن تتقدم عليه بأوقات كثيرة فذلك ممتنع ، فإن الإنسان الجالس في المكان لا يكون قادرا في هذا الزمان أن يفعل فعلا في مكان بعيد عنه ، بل إنما يقدر على أن يفعل فعلا في المكان الملاصق لمكانه ، فإذا ثبت أن القدرة عند القوم لا تتقدم الفعل إلا بزمان واحد ، فالقوم الذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كانوا قادرين على أصول المعتزلة  ، فيلزمهم من هذه الآية ما ألزموه علينا ، وعند هذا يجب علينا وعليهم أن نحمل الاستطاعة على الزاد والراحلة ، وحينئذ يسقط الاستدلال . 
المسألة الخامسة : قالوا : الرسول عليه الصلاة والسلام أخبر عنهم أنهم سيحلفون ، وهذا إخبار عن غيب يقع في المستقبل ، والأمر لما وقع كما أخبر ، كان هذا إخبارا عن الغيب ، فكان معجزا ، والله أعلم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					