( يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزئوا إن الله مخرج ما تحذرون    ) 
قوله تعالى :( يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزئوا إن الله مخرج ما تحذرون    ) . 
واعلم أنهم كانوا يسمون سورة براءة " الحافرة "  ؛ لأنها حفرت عما في قلوب المنافقين . قال الحسن    : اجتمع اثنا عشر رجلا من المنافقين على أمر من النفاق ، فأخبر جبريل  الرسول عليه الصلاة والسلام بأسمائهم ، فقال عليه الصلاة والسلام : " إن أناسا اجتمعوا على كيت وكيت ، فليقوموا وليعترفوا وليستغفروا ربهم ؛ حتى أشفع لهم " . فلم يقوموا ، فقال عليه الصلاة والسلام بعد ذلك : " قم يا فلان ويا فلان " حتى أتى عليهم ، ثم قالوا : نعترف ونستغفر ، فقال : " الآن ، أنا كنت في أول الأمر أطيب نفسا بالشفاعة ، والله كان أسرع في الإجابة ، اخرجوا عني اخرجوا عني " فلم يزل يقول حتى خرجوا بالكلية ، وقال الأصم    : إن عند رجوع الرسول عليه الصلاة والسلام من تبوك وقف له على العقبة  اثنا عشر رجلا ليفتكوا به ، فأخبره جبريل  ، وكانوا متلثمين في ليلة مظلمة ، وأمره أن يرسل إليهم من يضرب وجوه رواحلهم ، فأمر حذيفة  بذلك فضربها حتى نحاهم ، ثم قال : " من عرفت من القوم " فقال : لم أعرف منهم أحدا ، فذكر النبي صلى الله عليه وسلم أسماءهم وعدهم له ، وقال : " إن جبريل  أخبرني بذلك " ، فقال حذيفة    : ألا تبعث إليهم ليقتلوا . فقال : " أكره أن تقول العرب : قاتل محمد  بأصحابه حتى إذا ظفر صار يقتلهم بل يكفينا الله ذلك "   . 
 [ ص: 97 ] فإن قيل : المنافق كافر فكيف يحذر نزول الوحي على الرسول  ؟ 
قلنا : فيه وجوه : 
الأول : قال أبو مسلم    : هذا حذر أظهره المنافقون على وجه الاستهزاء حين رأوا الرسول عليه الصلاة والسلام يذكر كل شيء ويدعي أنه عن الوحي ، وكان المنافقون يكذبون بذلك فيما بينهم ، فأخبر الله رسوله بذلك وأمره أن يعلمهم أنه يظهر سرهم الذي حذروا ظهوره ، وفي قوله :( استهزئوا    ) دلالة على ما قلناه . 
الثاني : أن القوم وإن كانوا كافرين بدين الرسول إلا أنهم شاهدوا أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يخبرهم بما يضمرونه ويكتمونه ؛ فلهذه التجربة وقع الحذر والخوف في قلوبهم . 
الثالث : قال الأصم    : إنهم كانوا يعرفون كونه رسولا صادقا من عند الله تعالى ، إلا أنهم كفروا به حسدا وعنادا . قال القاضي : يبعد في العالم بالله وبرسوله ، وصحة دينه أن يكون محادا لهما    . قال الداعي إلى الله : هذا غير بعيد ؛ لأن الحسد إذا قوي في القلب صار بحيث ينازع في المحسوسات . 
الرابع : معنى الحذر الأمر بالحذر ، أي : ليحذر المنافقون ذلك . 
الخامس : أنهم كانوا شاكين في صحة نبوته وما كانوا قاطعين بفسادها ؛ والشاك خائف ، فلهذا السبب خافوا أن ينزل عليه في أمرهم ما يفضحهم . 
ثم قال صاحب الكشاف : الضمير في قوله :( عليهم    ) و( تنبئهم    ) للمؤمنين ، وفي قوله :( في قلوبهم    ) للمنافقين ، ويجوز أيضا أن تكون الضمائر كلها للمنافقين ؛ لأن السورة إذا نزلت في معناهم فهي نازلة عليهم ، ومعنى :( تنبئهم بما في قلوبهم    ) أن السورة كأنها تقول لهم : في قلوبهم كيت وكيت ، يعني : أنها تذيع أسرارهم إذاعة ظاهرة ، فكأنها تخبرهم . 
ثم قال :( قل استهزئوا    ) وهو أمر تهديد ؛ كقوله :( وقل اعملوا    ) [ التوبة : 105 ] .( إن الله مخرج ما تحذرون    ) . أي : ذلك الذي تحذرونه ، فإن الله يخرجه إلى الوجود ؛ فإن الشيء إذا حصل بعد عدمه ، فكأن فاعله أخرجه من العدم إلى الوجود . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					