القيد الثاني : قوله : ( ولا ينقضون الميثاق    ) وفيه أقوال : 
القول الأول - وهو قول الأكثرين - : إن هذا الكلام قريب من الوفاء بالعهد ، فإن الوفاء بالعهد قريب من عدم نقض الميثاق والعهد ، وهذا مثل أن يقول : إنه لما وجب وجوده لزم أن يمتنع عدمه ، فهذان المفهومان متغايران إلا أنهما متلازمان فكذلك الوفاء بالعهد يلزمه أن لا ينقض الميثاق. 
واعلم أن الوفاء بالعهد  من أجل مراتب السعادة ، قال عليه السلام : لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له والآيات الواردة في هذا الباب كثيرة في القرآن. 
والقول الثاني : أن الميثاق ما وثقه المكلف على نفسه ، فالحاصل : أن قوله : ( الذين يوفون بعهد الله    ) إشارة إلى ما كلف الله العبد به ابتداء ، وقوله : ( ولا ينقضون الميثاق    ) إشارة إلى ما التزمه العبد من أنواع الطاعات بحسب اختيار نفسه كالنذر بالطاعات والخيرات. 
والقول الثالث : أن المراد بالوفاء بالعهد : عهد الربوبية والعبودية ، والمراد بالميثاق : المواثيق المذكورة في التوراة والإنجيل وسائر الكتب الإلهية على وجوب الإيمان بنبوة محمد  صلى الله عليه وسلم عند ظهوره. 
واعلم أن الوفاء بالعهد أمر مستحسن في العقول والشرائع ، قال عليه السلام : من عاهد الله فغدر ، كانت فيه خصلة من النفاق وعنه عليه السلام : ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته ؛ رجل أعطى عهدا ثم غدر ، ورجل استأجر أجيرا استوفى عمله وظلمه أجره ، ورجل باع حرا فاسترق الحر وأكل ثمنه وقيل : كان بين معاوية  وملك الروم  عهد فأراد أن يذهب إليهم وينقض العهد فإذا رجل على فرس ، يقول : وفاء بالعهد لا غدر ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من كان بينه وبين قوم عهد فلا ينبذن إليهم عهده ولا يحلها حتى ينقضي الأمد وينبذ إليهم على سواء ، قال : من هذا؟ قالوا : عمرو بن عيينة  فرجع معاوية    . 
				
						
						
