( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم  إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون  إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون    ) . 
قوله تعالى : ( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم  إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون  إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون    ) . 
اعلم أنه لما قال قبل هذه الآية : ( ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون    ) - أرشد إلى العمل الذي به تخلص أعماله عن الوساوس  ، فقال : ( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم    ) وفي الآية مسائل : 
 [ ص: 92 ] المسألة الأولى : الشيطان ساع في إلقاء الوسوسة في القلب  حتى في حق الأنبياء بدليل قوله تعالى : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته    ) [الحج : 52] . 
والاستعاذة بالله مانعة للشيطان من إلقاء الوسوسة  ؛ بدليل قوله تعالى : ( إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون    ) [الأعراف : 201] ؛ فلهذا السبب أمر الله تعالى رسوله بالاستعاذة عند القراءة حتى تبقى تلك القراءة مصونة عن الوسوسة . 
المسألة الثانية : قوله : ( فإذا قرأت القرآن    ) خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ، إلا أن المراد به الكل ؛ لأن الرسول لما كان محتاجا إلى الاستعاذة عند القراءة فغير الرسول أولى بها . 
المسألة الثالثة : الفاء في قوله : ( فاستعذ بالله    ) للتعقيب ، فظاهر هذه الآية يدل على أن الاستعاذة بعد قراءة القرآن ، وإليه ذهب جماعة من الصحابة والتابعين ، قال الواحدي    : وهو قول  أبي هريرة  ، ومالك  ، وداود  ، قالوا : والفائدة فيه أنه إذا قرأ القرآن استحق به ثوابا عظيما ، فإن لم يأت بالاستعاذة وقعت الوسوسة في قلبه ، وتلك الوسوسة تحبط ثواب القراءة . أما إذا استعاذ بعد القراءة اندفعت الوساوس وبقي الثواب مصونا عن الإحباط . 
أما الأكثرون من علماء الصحابة والتابعين فقد اتفقوا على أن الاستعاذة مقدمة على القراءة  ، وقالوا : معنى الآية : إذا أردت أن تقرأ القرآن فاستعذ ، وليس معناه استعذ بعد القراءة ، ومثله إذا أكلت فقل : " بسم الله " ، وإذا سافرت فتأهب ، ونظيره قوله تعالى : ( إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا    ) [المائدة : 6] أي : إذا أردتم القيام إلى الصلاة فاغسلوا . وأيضا لما ثبت أن الشيطان ألقى الوسوسة في أثناء قراءة الرسول بدليل قوله تعالى : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته    ) [الحج : 52] . ومن الظاهر أنه تعالى إنما أمر الرسول بالاستعاذة عند القراءة لدفع تلك الوساوس ، فهذا المقصود إنما يحصل عند تقديم الاستعاذة . 
المسألة الرابعة : مذهب عطاء    : أنه تجب الاستعاذة عند قراءة القرآن  ، سواء كانت القراءة في الصلاة أو غيرها ، وسائر الفقهاء اتفقوا على أنه ليس كذلك ؛ لأنه لا خلاف بينهم أنه إن لم يتعوذ قبل القراءة في الصلاة ، فصلاته ماضية ، وكذلك حال القراءة في غير الصلاة لكن حال القراءة في الصلاة آكد . 
المسألة الخامسة : المراد بالشيطان في هذه الآية قيل : إبليس ، والأقرب أنه للجنس ؛ لأن لجميع المردة من الشياطين حظا في الوسوسة . 
واعلم أنه تعالى لما أمر رسوله بالاستعاذة من الشيطان ، وكان ذلك يوهم أن للشيطان قدرة على التصرف في أبدان الناس ، فأزال الله تعالى هذا الوهم ، وبين أنه لا قدرة له البتة إلا على الوسوسة ، فقال : ( إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون    ) ، ويظهر من هذا أن الاستعاذة إنما تفيد إذا حضر في قلب الإنسان كونه ضعيفا ، وأنه لا يمكنه التحفظ عن وسوسة الشيطان إلا بعصمة الله تعالى ؛ ولهذا المعنى قال المحققون : لا حول عن معصية الله تعالى إلا بعصمة الله  ، ولا قوة على طاعة الله إلا بتوفيق الله تعالى ، والتفويض الحاصل على هذا الوجه هو المراد من قوله : ( وعلى ربهم يتوكلون    ) . 
ثم قال : ( إنما سلطانه على الذين يتولونه    ) قال  ابن عباس    : يطيعونه ؛ يقال : توليته أي : أطعته ، وتوليت عنه أي : أعرضت عنه ، ( والذين هم به مشركون    ) الضمير في قوله ( به ) إلى ماذا يعود ؟ فيه قولان : 
الأول : أنه   [ ص: 93 ] راجع إلى ربهم . 
والثاني : أنه راجع إلى الشيطان . والمعنى بسببه ، وهذا كما تقول للرجل إذا تكلم بكلمة مؤدية إلى الكفر : كفرت بهذه الكلمة أي : من أجلها ، فكذلك قوله : ( والذين هم به مشركون    ) . أي : من أجله ومن أجل حمله إياهم على الشرك بالله صاروا مشركين . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					