( وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون  قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين    ) . 
قوله تعالى : ( وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون  قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين    ) . 
اعلم أنه تعالى شرع من هذا الموضوع في حكاية شبهات منكري نبوة محمد  صلى الله عليه وسلم . وفيه مسائل : 
المسألة الأولى : قال  ابن عباس    - رضي الله عنهما - : كان إذا نزلت آية فيها شدة ، ثم نزلت آية ألين منها تقول كفار قريش    : والله ما محمد  إلا يسخر بأصحابه ، اليوم يأمر بأمر وغدا ينهى عنه ، وإنه لا يقول هذه الأشياء إلا من عند نفسه ، فأنزل الله تعالى قوله : ( وإذا بدلنا آية مكان آية    )   . ومعنى التبديل    : رفع الشيء مع وضع غيره مكانه . وتبديل الآية رفعها بآية أخرى غيرها ، وهو نسخها بآية سواها . وقوله : ( والله أعلم بما ينزل    ) اعتراض دخل في الكلام ، والمعنى : والله أعلم بما ينزل من الناسخ والمنسوخ والتغليظ والتخفيف ، أي : هو أعلم بجميع ذلك في مصالح العباد ، وهذا توبيخ للكفار على قوله : ( إنما أنت مفتر    ) . أي : إذا كان هو أعلم بما ينزل فما بالهم ينسبون محمدا  صلى الله عليه وسلم إلى الافتراء لأجل التبديل والنسخ ، وقوله : ( بل أكثرهم لا يعلمون    ) . أي : لا يعلمون حقيقة القرآن وفائدة النسخ والتبديل  ، وأن ذلك لمصالح العباد كما أن الطبيب يأمر المريض بشربة ، ثم بعد مدة ينهاه عنها ، ويأمره بضد تلك الشربة ، وقوله : ( قل نزله روح القدس من ربك    ) تفسير روح القدس  مر ذكره في سورة البقرة . وقال صاحب الكشاف : روح القدس جبريل    - عليه السلام - أضيف إلى القدس وهو الطهر ، كما يقال : حاتم الجود وزيد الخير ، والمراد : الروح المقدس ، وحاتم الجواد ، وزيد الخير ، والمقدس : المطهر من الماء ، و "من" في قوله : ( من ربك    ) صلة للقرآن ، أي : أن جبريل  نزل القرآن من ربك ليثبت الذين آمنوا ؛ أي ليبلوهم بالنسخ حتى إذا قالوا فيه : هو الحق من ربنا حكم لهم بثبات القدم في الدين وصحة اليقين بأن الله حكيم ، فلا يفعل إلا ما هو حكمة وصواب ، ( وهدى وبشرى    ) مفعول لهما معطوف على محل " ليثبت " ، والتقدير : تثبيتا لهم وإرشادا وبشارة . وفيه تعريض بحصول أضداد هذه الصفات لغيرهم . 
المسألة الثانية : قد ذكرنا أن مذهب أبي مسلم الأصفهاني    : أن النسخ غير واقع في هذه الشريعة ، فقال : المراد ههنا إذا بدلنا آية مكان آية في الكتب المتقدمة ؛ مثل أنه حول القبلة من بيت المقدس  إلى الكعبة  ، قال المشركون : أنت مفتر في هذا التبديل ، وأما سائر المفسرين فقالوا : النسخ واقع في هذه الشريعة ، والكلام فيه على الاستقصاء في سائر السور . 
المسألة الثالثة : قال  الشافعي    - رحمه الله - : القرآن لا ينسخ بالسنة  ، واحتج على صحته بقوله تعالى :   [ ص: 94 ]   ( وإذا بدلنا آية مكان آية    ) وهذا يقتضي أن الآية لا تصير منسوخة إلا بآية أخرى ، وهذا ضعيف ؛ لأن هذه تدل على أنه تعالى يبدل آية بآية أخرى  ولا دلالة فيها على أنه تعالى لا يبدل آية إلا بآية ، وأيضا فجبريل    - عليه السلام - قد ينزل بالسنة كما ينزل بالآية ، وأيضا فالسنة قد تكون مثبتة للآية ، وأيضا فهذا حكاية كلام الكفار ، فكيف يصح التعلق به ؟ والله أعلم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					