[ ص: 152 ] سورة النمل 
تسعون وثلاث أو أربع أو خمس آيات مكية 
بسم الله الرحمن الرحيم 
( طس تلك آيات القرآن وكتاب مبين  هدى وبشرى للمؤمنين  الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون    ) . 
بسم الله الرحمن الرحيم 
( طس تلك آيات القرآن وكتاب مبين  هدى وبشرى للمؤمنين  الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون    ) . 
اعلم أن قوله : ( تلك    ) إشارة إلى آيات السورة والكتاب المبين هو اللوح المحفوظ وإبانته أنه قد خط فيه كل ما هو كائن ، فالملائكة الناظرون فيه يبينون الكائنات ، وإنما نكر الكتاب المبين ليصير مبهما بالتنكير فيكون أفخم له كقوله : ( في مقعد صدق عند مليك مقتدر    ) [ القمر : 55 ] وقرأ ابن أبي عبلة    : (?وكتاب مبين ) بالرفع على تقدير " وآيات كتاب مبين " فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، فإن قلت : ما الفرق بين هذا وبين قوله : ( الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين    ) [ الحجر : 1 ] ؟ قلت : لا فرق لأن واو العطف لا تقتضي الترتيب . 
أما قوله : ( هدى وبشرى للمؤمنين    ) فهو في محل النصب أو الرفع فالنصب على الحال أي هادية ومبشرة ، والعامل فيها ما في تلك من معنى الإشارة ، والرفع على ثلاثة أوجه على معنى هي هدى وبشرى ، وعلى البدل من الآيات ، وعلى أن يكون خبرا بعد خبر ، أي جمعت آياتها آيات الكتاب وأنها هدى وبشرى ، واختلفوا في وجه تخصيص الهدى بالمؤمنين على وجهين : 
الأول : المراد أنه يهديهم إلى الجنة وبشرى لهم كقوله تعالى : ( فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطا مستقيما    ) [ النساء : 175 ] فلهذا اختص به المؤمنون . 
الثاني : المراد بالهدى الدلالة ثم ذكروا في تخصيصه بالمؤمنين وجوها : 
أحدها : أنه إنما خصه بالمؤمنين لأنه ذكر مع الهدى البشرى ، والبشرى إنما تكون للمؤمنين . 
وثانيها : أن وجه الاختصاص أنهم تمسكوا به فخصهم بالذكر كقوله : ( إنما أنت منذر من يخشاها    ) [ النازعات : 45 ] . 
وثالثها : المراد من كونها هدى للمؤمنين أنها زائدة في هداهم ، قال تعالى : ( ويزيد الله الذين اهتدوا هدى    ) [ مريم : 76 ] . 
 [ ص: 153 ] أما قوله : ( الذين يقيمون الصلاة    ) فالأقرب أنها الصلوات الخمس لأن التعريف بالألف واللام يقتضي ذلك ، وإقامة الصلاة  أن يؤتى بها بشرائطها ، وكذا القول في الزكاة فإنها هي الواجبة ، وإقامتها وضعها في حقها . 
أما قوله : ( وهم بالآخرة هم يوقنون    ) ففيه سؤال وهو : أن المؤمنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة لا بد وأن يكونوا متيقنين بالآخرة ، فما الوجه من ذكره مرة أخرى ؟ جوابه من وجهين : 
الأول : أن يكون من جملة صلة الموصول ، ثم فيه وجهان : 
الأول : أن كمال الإنسان في أن يعرف الحق لذاته ، والخبر لأجل العمل به ، وأما عرفان الحق فأقسام كثيرة لكن الذي يستفاد منه طريق النجاة معرفة المبدأ ، ومعرفة المعاد ، وأما الخير الذي يعمل به فأقسام كثيرة وأشرفها قسمان : الطاعة بالنفس والطاعة بالمال فقوله : ( للمؤمنين    ) إشارة إلى معرفة المبدأ ، وقوله : ( يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة    ) إشارة إلى الطاعة بالنفس والمال ، وقوله : ( وهم بالآخرة هم يوقنون    ) إشارة إلى علم المعاد فكأنه سبحانه وتعالى جعل معرفة المبدأ طرفا أولا ، ومعرفة المعاد طرفا أخيرا وجعل الطاعة بالنفس والمال متوسطا بينهما . 
الثاني : أن المؤمنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ، منهم من هو جازم بالحشر والنشر ، ومنهم من يكون شاكا فيه  إلا أنه يأتي بهذه الطاعات للاحتياط ، فيقول : إن كنت مصيبا فيها فقد فزت بالسعادة ، وإن كنت مخطئا فيها لم يفتني إلا خيرات قليلة في هذه المدة اليسيرة ، فمن يأتي بالصلاة والزكاة على هذا الوجه لم يكن في الحقيقة مهتديا بالقرآن ، أما من كان حازما بالآخرة كان مهتديا به ، فلهذا السبب ذكر هذا القيد . 
الثاني : أن يجعل قوله : ( وهم بالآخرة هم يوقنون    ) جملة اعتراضية كأنه قيل : وهؤلاء الذين يؤمنون ويعملون الصالحات من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة هم الموقنون بالآخرة ، وهذا هو الأقرب ويدل عليه أنه عقد جملة ابتدائية وكرر فيها المبتدأ الذي هو " هم " حتى صار معناها وما يوقن بالآخرة حق الإيقان إلا هؤلاء الجامعون بين الإيمان والعمل الصالح ، لأن خوف العاقبة يحملهم على تحمل المشاق . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					